التحقت في دورة المراقبين العسكريين التي عقدت في معهد حفظ السلام /الكلية العسكرية الملكية لمدة شهر، وكانت معلوماتها تركز على المصطلحات والمختصرات المستخدمة في الأمم المتحدة والقوانين والأنظمة فيها والتعرف على أنواع الألغام في العالم وأشهر أنواع الأسلحة المنتشرة إضافة إلى معرفة أهم عمليات ومبادئ الإسعافات الأولية, ودراسة مواد في تكنولوجيا المعلومات والانترنت والحاسوب واللغة الانجليزية بعد أن أنهيت الدورة بفترة تم اختياري كمراقب دولي في جورجيا.
• نبذة تاريخية عن طبيعة الصراع في جورجيا الروسية :
جورجيا الروسية هي جمهورية كانت تتبع للاتحاد السوفيتي منذ عام ١٩٢٠ إلى أن نالت استقلالها عام ۱۹۹۱ وانفصلت عن الاتحاد السوفيتي وأصبحت جمهورية مستقلة تقع عند ملتقى أوروبا الشرقية مع غرب آسيا ويحدها من الغرب البحر الأسود ومن الشمال روسيا ومن الجنوب تركيا وأرمينيا ومن الشرق أذربيجان وتبلغ مساحتها الإجمالية 69700/ك2 وعدد سكانها (٢٥) مليون نسمة وعاصمتها (تبليسي).
بعد ان استقلت جمهورية جورجيا عن الاتحاد السوفيتي واجهت هذه الجمهورية الفتية العهد مشاكل اقتصادية واضطرابات داخلية بداية التسعينات نظرا للثروات الاقتصادية الكبيرة الموجودة في أراضيها إضافة إلى وجودها على البحر الأسود دخلت في نزاع مسلح مع جماعات انفصالية مسلحة في (اوسيتيا) الجنوبية (ابخازيا) وهي المنطقة المتنازع عليها وتقع على الساحل الشرقي للبحر الأسود حيث طالبت باستقلالها عن جورجيا ونالته رسميا عام ١٩٩١ مما نتج عنه الصراع (الجورجي الابخازي) وحظيت باعتراف دولي من روسيا ونيكاراغوا وفترويلا كجمهورية مستقلة تحكم من قبل جمهورية (ابخازيا) وعاصمتها (سوخومي) .
واستمر التزاع والقتال إلى أن انسحبت الجيوش الجورجية من المنطقة بعد حرب دامت أكثر من عام مع الثوار الانفصاليين تكبد فيها الجانبان خسائر كبيرة حيث خلفت حسب التقديرات عشرين ألف قتيل في الجانب الجورجي وثلاثة آلاف قتيل في الجانب الابخازي إضافة إلى نزوح الآلاف من السكان وتشردهم وتدمير البنية التحتية بالكامل وانتشار حقول الألغام بمساحات كبيرة واختفاء معالمها والتي كانت تشكل خطرا كبيرا.
• قرار مجلس الأمن:
جاء قرار مجلس الأمن رقم (٨٥٨) تاريخ ١٩٩٣/٨/٢٤ على إنشاء بعثة مراقبي الأمم المتحدة في جورجيا تحت مسمى (UNOMIG) والمكونة من (۸۸) مراقبا عسكريا بالإضافة إلى موظفي دعم مدنيين وبعدها بعام تم زيادة عدد المراقبين ليصبح عددهم (١٣٦) مراقبا عسكريا وذلك لمراقبة الامتثال لوقف إطلاق النار بين الطرفين مع قيام البعثة بمراقبة تنفيذ الاتفاق بين الأطراف المتنازعة .
المشاركة الأردنية بدأت مشاركتنا في مهمة المراقبين الدوليين في شهر تموز من عام 1995 وكان عددنا سبعة ضباط وبدأنا بالإجراءات المتبعة للمشاركة في هذه المهمة التي كانت مدتها عام حيث جمعنا المعلومات اللازمة عن المنطقة وطبيعة النـزاع الموجود فيها والسكان المحليين وعاداتهم وتقاليدهم ولغتهم.
ووصلنا ارض المهمة بعد رحلة استمرت ثلاث أيام عن طريق تركيا وكان ينتابني شعور مشوب بالقلق والتوتر حول ماذا ينتظرنا ،ووصلنا إلى موقع قيادة مهمة المراقبين في مدينة (بتسوندا) وبدأت الإجراءات الروتينية المعروفة لأي مهمة واستمعنا إلى إيجاز عن طبيعة الصراع الموجود في المنطقة إضافة إلى واجبات مهمة المراقبين وفقا للاتفاق المؤرخ في 1994/5/14 والموقع في موسكو بشان وقف إطلاق النار والفصل بين القوات والتحقق من ذلك.
التحقق عن طريق المراقبة والدوريات من عدم بقاء القوات في المنطقة الأمنية أو العودة اليها وعدم بقاء المعدات العسكرية الثقيلة والخفيفة وإعادتها إلى المنطقة المحددة للسلاح وتنفيذ مهام انسانية مختلفة كانت المهمة موزعة في المنطقة على ثلاث قواطع و جرى توزيعنا على القواطع الثلاثة وكانت البداية في قاطع (سوخمي) حيث استلمت العمل منذ اليوم الأول وكانت الواجبات تتلخص في البداية بالدوريات الصباحية والمسائية في منطقة مسؤولية القاطع إضافة للمناوبات الليلية كضابط مناوب عمليات ودوريات الإنقاذ الاحتياطية.
وبدأت بالتعرف على الزملاء من جنسيات أخرى التي كانت تمثل كل من فرنسا، السويد، النمسا، بريطانيا، ألمانيا، الباكستان، بنغلادش ، الولايات المتحدة، ألبانيا، أوروغواي، مصر، استراليا، كوريا الجنوبية، اندونيسيا ، روسيا، الدنمارك، تركيا، كوبا وبلدي الأردن لقد دخلت في أجواء العمل منذ اليوم الأول وتعرفت على طبيعته مع الاستعداد اليومي لتنفيذ الواجبات وواجهتنا صعوبة اللغة فالسكان المحليون يتحدثون اللغة الروسية وكنا نواجه صعوبة في التفاهم معهم حيث استطعنا أن نتعلم بعض المصطلحات و العبارات اليومية التي نتبادلها معهم أثناء مسير
الدوريات والتوقف في نقاط محددة لمراقبة الوضع و جلب المعلومات.
كمين:
أثناء إحدى الدوريات في منطقة (وادي كودوري) وهي منطقة وعرة جدا وتقع على الحدود الجورجية الابخازية في منتصف الطريق تعرضنا لكمين من قبل عصابات مجهولة ضد تواجد الأمم المتحدة ، توقفنا فجأة ولم نستطيع إبلاغ الضابط المناوب حيث تم اختطافنا بعيدا عن الطريق الرئيسي ، وكنت أنا أقود السيارة وبرفقتي ضابط سويدي وآخر تركي ومترجم روسي و طالبونا بإعطائهم ما بحوزتنا من نقود ، و استولوا
على كل الأجهزة و المعدات الخفيفة التي كانت معنا و بدأوا بإطلاق النار باتجاه السيارة و اختفوا في الجبل مبتعدين بعد أن سمعوا صوت طائرة الهيلوكبتر الروسية في المنطقة حيث تم تبليغهم من قبل الضابط المناوب في مقر المراقبة في الوادي بعد اختطافنا عن شبكة الاتصال . هذا الموقف الذي حدث لم و لن أنساه لأنه كان مؤثرا جدا حيث واجهنا الموت و نحن نراهم يطلقون النار تجاهنا وكانت مشيئة الله ان ننجو من موت محقق .
العمل من قاطع إلى قاطع
بعد إكمالي المدة المقررة و هي أربعة شهور في قاطع (سوخومي) انتقلت إلى القاطع الثاني و هو قاطع (غالي) حيث واصلت عملي كالمعتاد و بنفس الهمة و العزيمة التي بدأتها .
وفي هذا القاطع الذي يقع منطقة حدودية كان من واجبنا الاجتماع باستمرار مع رؤساء المجتمع المحلي (رؤساء البلديات) لإجراء مفاوضات معهم بخصوص إجراء عمليات تبادل أسرى بين الطرفين تحت إشرافنا و تسهيل رجوع اللاجئين إلى مناطقهم و توفير الأمن و الحماية لهم إضافة إلى التنسيق حول المناطق المزروعة بالألغام و الكشف و التبليغ عنها للجيش الروسي حيث كان مجهولون يتعمدون وضع هذه الألغام في الطرق التي تسلكها دوريات الأمم المتحدة، وحدثت بعض الحوادث التي راح ضحيتها عدده من المراقبين من جنسيات أخرى حيث كانت هذه الحوادث هاجسا يؤرقنا أثناء خروجنا في الدوريات اليومية.
مني أن بعد أن أمضيت أربعة شهور في قاطع (غالي) حان موعد انتقالي إلى القاطع الثالث و لكن طلب قائد القاطع أستمر في نفس العمل معهم على أن يتم تعييني في هيئة ركن القاطع مسئولا عن القوى البشرية كونه كان يقدر الضباط الأردنيون و ما يقومون به من انجازات ايجابية تسجل للقاطع وقائد القاطع، وفعلا أكملت مدتي في نفس القاطع(غالي) و أمضيت باقي المهمة مسؤولا عن القوى البشرية.