تعودنا أن نسمع أن "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، ولكن قلّما يعيش إنسان القرن الحادي والعشرين بقلبٍ شاكرٍ لكل من يمّدَ له يدُ المساعدةِ والعون، والتي بدونها حتى ولو كانت المساعدة بحجم صرارة صغيرة، لما أُزيلت من طريقنا صخور ضخمة وأنفتحت آفاق جديدة، فأحيانا صرارة صغيرة تصنع الفرق.
والشكر أبعد من مجرد كلمة أو إمتنان قلبي، صحيح أن من يفعل خيراً لا ينتظر مقابل، ومع ذلك يفرح قلبه بكلمة شكرا، ولكنَّ الشكرَ المطلوبَ اليوم هو إستمرار حلقة صنع الخير والرحمة في حياتنا حيثما وأينما دعت الحاجة. فسلسلةُ عمل الخير لا تتوقف ولا يجب أن تتوقف، والشكر المطلوب منّا هو أن نجعل حلقة صنع الخير مستمرة غير منقطعة.
وفي عملنا هذا فإننا نكون عوناً لإخوتنا، والله يكون في عوننا ما دام العبد في عون أخيه، فالمعجزات تتحقق عندما نقدّم ما لدينا، لا أن نقف موقف المتفرّجين. غير صحيح أننا نعجز أن نقدم أي شيء، فكل منّا يقدر أن يقدم شيئاً ولو بسيطاً، قد يكون بفكرة أو خاطرة أو مساندة أو تشجيع أو تأييد أو مناصرة أو حتى دعم مادي ومعنوي، فمسيرة الحياة يجب أن تستمر، ولا يحدث هذا من غير أن نكون سنداً لبعضنا بعضا. فالحياة مسؤولية ووكالة صالحة، ومسؤوليتنا تتطلب من أن ننظر من حولنا ولا ننظر فقط إل دواخلنا وذواتنا، فالفرح الحقيقي والسعادة الحقيقية لا تتأتى إلا مما نقدمه ويسهم في خير الآخرين مهما كان حجمه.
غير مطلوب منّا أن نغيّر العالم الممتد والمترامي الأطراف، ولكنَّ مطلوبٌ منّا أن نغيّر أنفسنا أولاً وأن نتجرد من أنانيتنا، فتصبحَ لدينا غيرةً مجتمعيةً وإهتماماً بالشأن العام الذي يصّبُ في صالح الجمع لا الفرد. فلا يقوى الفرد على العيش بمفرده.
وأهمية دُولِنَا أنَّ قداستها تنبعُ من رسالتها بأنْ تنظّمَ حياتنا وتحمي الضعيف من القوي وتنصفَ المظلوم من الظالم وتحقِّقَ أعلى درجات العدالة الإجتماعية والمساواة وعدم التمييز، وكما سمعنا في خبر عن مشروع قانون جديد في ولاية كاليفورنيا، الذي يمنع التمييز الطبقي المجتمعي Cast Discrimination، إذ يتصدّى لكل أشكال التمييز على أساس العرق أو اللون أو الدين بين فئات المجتمع.
وهكذا، فإنّ الشكر الذي ينتظره الله منا هو أن ننثر خبزنا على وجه المياه، فلا نعرف متى يعود إلينا بالخير. والحقيقة أنّ الخيرَ يعود على أهله بالنعم والبركات. فبالشكر تدوم النعم والبركات.