شهد الأردن خلال العقود الخمسة الأخيرة تطوراً كمياً نوعياً هائلاً في مجال التعليم الجامعي بشكل عام والتعليم العالي بشكل خاص تجعلنا نشعر بالفخر والاعتزاز. ويعود الفضل في ذلك إلى اهتمام القيادة الهاشمية ورعايتها المستمرة للعملية التعليمية بمراحلها المختلفة، والى الجهود المتميزة التي بذلها الرواد الأوائل من الأساتذة والعاملين في هذا الميدان.
ويمكن الإشارة إلى أسباب نجاح التعليم الجامعي في الأردن وتميزه ومنها على سبيل المثال لا الحصر إتباع الأردن نظام تعليم جامعي حر ومتكامل وشبه مستقل عن البيروقراطية الحكومية ووجود نخب من أعضاء هيئة التدريس والتخصصات الفريدة و المختلفة وقد انعكس هذا الأمر بصورة إيجابية على سمعة التعليم الجامعي الأردني لدرجة إن خريجوا الجامعات الأردنية ضمن مستواهم الدراسي يمكنهم من إكمال دراساتهم العليا في أي جامعة في العالم ولكن وجود أكثر من ٢٩ جامعة حكومية وخاصة ووجود نخبة من الأساتذة المتميزين الذين تخرجوا من جامعات أمريكية أو بريطانية أو أوروبية عريقة أو جامعات عربية مشهورة يبين بأن هذا التنوع الكبير في المدخلات و المؤهلات والكفاءات له آثر إيجابي على التعليم العالي من كافة النواحي وله دور كبير على المخرجات التعليمية.
هذا ومع تسارع عملية التوسع في التعليم العالي في الجامعات الأردنية والتسابق والتنافس في فتح المزيد منها لاعتبارات تتعلق بسد الحاجة والنقص أحيانا وللربح المالي أحياناً أخرى في بعض الجامعات يمكن القول أن الطلبة الأردنيون أشد عوزا إلى فتح التعليم الجامعي في برامج الدراسات العليا لهم في وطنهم لأن جامعاته اولى بهم .
ولا زالت ترد العديد من التساؤلات وبشكل يومي حول عدم فتح بعض البرامج لدرجة الدكتوراه في الجامعات الحكومية في الاردن ، حيث يطالب طلبة الدراسات العليا في الجامعات والمعاهد خارج الاردن بضرورة اتخاذ خطوات حاسمة من قبل التعليم العالي من أجل فتح هذه البرامج التي ستوفر الكثير من الجهود المبذولة في السفر الى الخارج للبحث عن فرصة دراسية لإحدى البرامج التي لم تتوفر في الاردن والناتج عنها شروط إقامة صعبة كذلك تحويل مبالغ طائلة إلى خارج الوطن مما ينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في الوطن .
وحيث أنه يوجد عدد كاف من المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة لاستيعاب هؤلاء الباحثين وطلبة الدراسات العليا ، فقد وجب وطنياً الآن على مجلس التعليم العالي وهيئة الاعتماد إعادة النظر بفتح هذه البرامج لذا فالمطلوب هو مقاربة وطنية جديدة تستند إلى تقييم علمي محايد وشامل يأخذ كافة الأبعاد التي تم ذكرها بالبداية بعين الاعتبار للخروج بحلول عامة لهذه المشكلة وإيجاد حل سريع وناجع يسهم ولو بالحد الأدنى في التخفيف من وطأة الضغوط النفسية التي يعاني منها أبناؤنا في الجامعات والمعاهد الخارجية وان تكون المقاربة هو التحول للإستثمار بالدراسات العليا بدلًا من يكون إستخدامها حكراً للقطاع الخاص تكون أيضا للجامعات والمعاهد الحكومية حضوة، والعمل على تهيئة البيئة العلمية والبيئة التحتية الضرورية في هذه الجامعات وزيادة أعداد البرامج الجديدة والتخصصات المطلوبة في الدراسات العليا.
وقبيل السماح لأي جامعة حكومية أو خاصة من فتح برامج دراسات عليا هنالك هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي مهمتها مراقبة هذه الجامعات واعتقد بأن مسؤولية الوزير هي مساءلة مسؤول هذه الهيئة عما إذا كانت الجامعات والمعاهد في الاردن قد استوفت عملياً لجميع الشروط الضرورية لفتح هذه البرامج من توفر الأساتذة المختصين عدداً وتأهيلاً ووجود الخطط ومناهج ومعطيات مبتكرة وحديثة ومتميزة وقاعات التدريس الكافية والمجهزة بالوسائل التكنولوجية الحديثة والغرف الصفية والمراجع والمكتبات والمختبرات اللازمة لكل هذه البرامج و تطبق عليها المعايير جميعها .
وإذا كان هنالك تكلس في القرار بضرورة تقييد طالب الدراسات العليا بشرط الإقامة في الخارج لا ضير بأن يتم إلزام طلبة الدكتوراه بالتفرغ التام لمدة سنة على الأقل لكتابة رسائلهم داخل الأردن ، وان يتم التحقق من هذا التفرغ بكل الوسائل ولا يترك الأمر لتقديرات الطالب أو المشرف على أن تعطى الأولوية في القبول في برامج الدكتوراه للطلاب المتفرغين كحل من إحدى الحلول .
في الختام لابد لا بد من الجدية في تعاون الوزارة ممثلة بمعالي الوزير في وضع الآلية المناسبة لتشكيل لجان لفتح برامج الدراسات العليا في كل قسم وكلية وجامعة حكومية ويمكن له الاستعانة بعدد من الخبراء
بنفس المجال والقطاعات الاقتصادية والمستثمرين وكذلك أصحاب الرأي بدلاً من أن يترك الأمر على حاله ويبقى الطلبة الأردنيون رهن قرارات كبدت الإقتصاد الوطني الشئ الكثير ناهيك عن الكلفة النفسية والاجتماعية.