التطبيع العربي الإسرائيلي لا يشكل خطراً داهماً بالدرجة الأولى إلّا على المطبعين أنفسهم مهما علا شأنهم بين الأمم.
وزير الإتصالات الإسرائيلي شلومو كرعي، وصل إلى الرياض قبل أيام، تزامنًا مع تقارير إسرائيلية حول محادثات لتطبيع العلاقات بين البلدين، مع أن ذلك لم يخرج عن سياقه الإعلامي الإسرائيلي دون تأكيد الرياض أو نفيها للنتائج المحتملة كون الشروط السعودية ما لبثت قيد البحث من قبل الطرف الأمريكي وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وفي سياق الحملة الإعلامية الإسرائيلية المروجة لما يخطط له مع السعودية من وراء الكواليس، أقام شلومو كرعي وحاشيته بمقر إقامته في الفندق بالرياض طقوس تلمودية بمناسبة عيد العرش اليهودي، وقد يدعي البعض بأن ذلك شأن خاص بالمحتفلين رغم حساسيته لولا قيام كرعي بنشر التفاصيل على الملأ كما سنأتي إلى ذكره لاحقاً.
وفي تقديري فإن مخرجات هذه الجهود الصهيونية المدعومة أمريكياً تعتبر شأناً سعودياً صرفاً -وفق رغبتهم- ما دام السعوديون راضين عن سياسة بلادهم فيما يتعلق بالاتفاقية الإبراهيمية ولو جاءت على حساب الفلسطينيين الذين لا يسأل عنهم أحد، دون أن يتحققوا من نوايا الصهاينة تجاه بلادهم، وعليهم إزاء ذلك تقبل النتائج السلبية -مهما كان حجمها- مستقبلاً، مع أن الدراسات الاستشرافية الجادة لو حَيَّدَت المصالح السعودية القريبة بعض الشيء، وفي نظرة مستقبلية أوسع أفقاً، ستقدم رؤية أشد وضوحاً، مع الأخذ في الاعتبار وجود خيارات استراتيجية بديلة تقوم على تطوير العلاقة السعودية غير المشروطة مع الصين إلى جانب وجود عرض إيراني سخيّ في إقامة مفاعل نووي سعودي مستقل تماماً في سياق علاقة سعودية مستقرة وآمنه مع جيرانها بعيداً عن التحرض الإسرائيلي على طهران، أضف إلى ذلك دوران السعودية حول مصالحها دون تبعية لأحد فيما يتعلق بسياساتها النفطية بالتنسيق مع روسيا.
حينئذٍ قد يتبين للسعوديين المخاطر المحدقة بخيارهم التطبيعي مع كيان الاحتلال الإسرائيلي بوضوح.
والجدير بالذكر أن ذهاب الرياض إلى التطبيع مع كيان الفصل العنصري الذي ينكل بالفلسطينيين ويستهدف تهويد الأقصى تمهيداً لهدمه؛ بغية إقامة الهيكل المزعوم، قد أُدْرِجَ لدى مؤيدي الحقوق الفلسطينية من العرب في قائمة الخيانة وهو أمر لا أشجع عليه حتى لا تنتشر الفتن بين العرب كيلا يذكيه الذباب الإلكتروني لصالح "إسرائيل"، ورغم ذلك فلا عتب على ما جاء في تغريدة للداعية الكويتي سويدان عبر منصة أكس؛ حيث أخذ يخوّن فيها كلَّ من يُقْدِمْ على التطبيع مع كيان صهيوني يحتل فلسطين ويتجبر بأهلها وينهب حقوقهم، دون الإشارة مباشرة إلى السعودية التي جُلِبَتْ إلى الفخِّ المنصوب لها، وقد انبرى مؤيدوها وذبابهم الإلكتروني لمواجه الداعية الشهير عبر منصات الفضاء الرقمي في مواجهات لا استسيغها كونها تثير البغضاء ولا تقدم الحلول، فيما يدفع ثمنها الجميع ما عدا "إسرائيل".
المعني هنا هو الاحتلال الإسرائيلي الذي سطا على فلسطين نهاراً جهاراً تحت شعار عودة شعب الله المختار إلى أرض الميعاد، تلك الأسطورة التوراتية التي حولت اليهود إلى أشباه آلهة، فيما الأمم الأخرى وُضِعَتْ في قائمة الأغيار العبيد، ومنهم العرب المطبعون.
ولكن ما غفل عنه السعوديون- وهذا من باب التنبيه إلى المخاطر- أنهم مقابل الدخول مع الكيان الإسرائيلي في شراكات اقتصادية تتعلق بمشاريع: نيوم شرق البحر الأحمر إلى جانب ربط الطريق بين الهند وأوروبا عبر "إسرائيل" والحصول على مفاعل نووي يدار أمريكياً من واشنطن دون وجود سلطة للسعوديين عليه، فقد تجاهل أصحاب القرار في السعودية قدرة الإسرائيليين بنواياهم الخفية، على تحويل السعودية إلى مركز صهيوني تجاري وعسكري على المدى الطويل في إطار التحالفات الاستراتيجية على صعيدين إقليمي ودولي، ليس من باب تبادل المصالح التي ستبدو كذلك على المدى القصير؛ بل من باب الحق التاريخي بيثرب التي تحتوي على آثار يهود المدينة وسيبدأون مشروعهم وفق نموذج احتلال فلسطين الجائر.
وهذا يفسر ما أشار اليه الوزير الإسرائيلي المتطرف شلومو كرعي بعد عودته إلى فلسطين المحتلة معلقاً على زيارته للرياض، وعلى حسابه في منصة إكس.. حين قال:
" بدأنا بعودتنا"!!!
وهي عبارة سربها الوزير العنصري كرعي وأرفق معها صور وفيديوهات الاحتفالات بعيد العرش التي أقامها في الرياض وفق ما نشرته قناة "كان" الإسرائيلية.
صحيح أن السعودية تمكنت من تضمين حل القضية الفلسطينية إلى شروطها للقبول بالتطبيع مع تل ابيب؛ ولكن المخيف في الأمر أن يتم ذلك من خلال فرض التوجه السعودي على الفلسطينيين دون ضمان لحقوقهم الأساسية وذلك عن طريق دعم السلطة الفلسطينية -ذات الدور الوظيفي- بالمال، دون احتساب فشلها الذريع في تحقيق أي تقدم لصالح الفلسطينيين عبر مسيرة اوسلو منذ 1991.. فتتحول الاتفاقية المنظورة إلى صفقة خاسرة.
حيث بدا وكأن دور السلطة عبر مسيرة اوسلو التي وئدت في مهدها، كان مقتصراً على تقديم التنازلات المادية والمعنوية للإسرائيليين.
وإلّا فماذ يعني ما أشارت إليه قناة "كان" الإسرائيلية نقلاً عن تقارير غربية، في أن "السعودية طالبت باستئناف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، بهدف تجاوز المعارضة الفلسطينية لاتفاق محتمل بين الرياض وتل أبيب، بحسب قولها".
وفق تقديري فالدول المطبعة لها كامل الحرية في اتخاذ قراراتها ولو خالف ذلك مصالح الفلسطينيين، إذ لا مِنَّةَ لأحد على الشعب الفلسطيني القابض على الجمر، مع أن سلطة اوسلو ليست حجة على الفلسطينيين بعد أن تخلت عن الخيار الفلسطيني المتمثل بالمقاومة، فيما تتبنى سياسة التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي؛ لأن كل تفاصيل الاتفاقية الإبراهيمية لا تقدم ولا تؤخر ما دامت المقاومة الفلسطينية رادعة للإسرائيليين بمنظومتها الصاروخية في غزة، والمقاومة الشعبية المفتوحة والمتنامية في الضفة الغربية وخاصة نابلس وجنين وطول كرم وفق قواعد اشتباك جديدة ضمن وحدة الساحات؛ وعليه فإن الاتفاقية الإبراهيمية برمتها ستتحول إلى صفرٍ على الشمال.. ولن تُقَوِّي من عزيمة كيان صهيوني متصدع لا يقوى على الدفاع عن عمقه الهش.
فالكلمة الفصل هي للمقاومة في حرب الإرادات والتحرير.. وليفعل المطبعون ما يجدوه مناسباً وفق مصالحهم على أن لا يدعموا سياسة القمع الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
وعلى رأي ساستهم: ف"كلًّ واحدٍ يُقَلِّعُ شوكَه بِيَدِهْ" إذْ لا منّة لأحد على الفلسطينيين المغبونين.. وهم ليسوا وحيدين في معركة التحرير ما دامت المقاومة تساند حقوقهم المشروعة.. ولتذهب المشاريع التصفوية إلى الجحيم.