تُعتبر الحقائب بمختلف أشكالها وأنواعها جزءًا أساسيًا لا يمكن التخلّي عنه في مشاهد حياتنا اليومية في الوقت الحالي، وما بين حملها واستخدامها للحاجة أو كقطعة زينةٍ تكمل الثياب وتعطي مظهرًا أنيقًا جذّابًا، فقد مرّت هذه الحقائب والمحافظ التي نستخدمها في يومنا هذا عبر العديد من المراحل التطوّرية. فهل ساءلت نفسك يومًا كيف بدأ استخدام الحقائب؟ وكيف تطوّرت حتى باتت صناعةً ضخمةً تستهدف جميع الأفراد؟
يرجع تاريخ الحقائب إلى المراحل الأولى للحضارات القديمة، فلو نظرنا إلى الصور الهيروغليفية التي تعود إلى حضارة مصر القديمة، لوجدنا الرجال يحملون الحقائب المربوطة حول خضرهم أو أحزمتهم. وفي الحضارات المبكّرة فقد اعتاد المزارعون والفلوحون حمل الحقائب التي كانت على شكل أكياس صغيرة، ليحفظوا فيها محاصيلهم اليومية.
ومع بداية القرن الرابع عشر، بدأ استخدام الحقائب/الأكياس ذات الأربطة التي وُضعت بهدف حفظ الأموال والممتلكات الثمينة التي من الممكن أن يحملها الفرد، إضافةً لبعض الأربطة التي تمكّن من ربط الحقيبة حول الخصر كنوعٍ من أنواع الأمان، وكان الرجال والنساء يستخدمون هذه الحقائب على حد سواء، حيث عكفت النساء على تزيين حقائبهنّ بزخارف وتطاريز بسيطة وجميلة.
أما ما قدّمه القرن الخامس عشر وأضافه على صناعة الحقائب، فقد كان ظهور المحفظة أو الحقيبة الصغيرة للمرة الأولى في التاريخ، ونظرًا لحداثة المنتَج وغرابته، فقد احتكر امتلاكها واستخدامها على طبقةٍ معينة من الأفراد، كما كانت تُعتبر هديةً مميزة يُهديها الرجل لفتاته أو عروسه قبل الزفاف. فيما أحضر لنا القرن السادس عشر ثقافة الجيوب في الملابس والثياب، وشيئًا فشيئًا بدأت ثقافة الحقائب تختفي بين أوساط الرجال، إذ استغنوا بجيوبهم عن حقائبهم. أما عند النساء فقد تمّ تخصيص مساحةٍ معينة في أثوابهنّ وتنانيرهنّ لتلك الجيوب، الأمر الذي يفسّر أيضًا سبب انتفاخ ألبستهنّ في ذلك الوقت، وازدياد مساحة القماش المستخدمة في صناعتها.
ومع بداية القرن السابع عشر، ظهر التطريز كمَلَكة تمتلكها الفتاة وتسعى العائلة إلى تعليمها إياها باحترافيةٍ، الأمر الذي أدى إلى خلق فكرة تطريز وحياكة حقائب اليد الصغيرة المطرّزة التي استُخدمت لوضع الهدايا وتقديمها فيها. وفي القرن الثامن عشر بدأت الألبسة والتنانير المنتفخة تختفي من المشهد شيئًا فشيئًا وحلّت مكانها الملابس الرشيقة والنحيفة، ما يعني اختفاء المساحة التي كانت تُخصص للجيوب الكثيرة والمخفية في اللباس، وهنا أصبحت الحقيبة اليدوية ذات شعبية كبيرة مرةً أخرى.
في نهاية المطاف، وتحديدًا مع بدايات القرن التاسع عشر، بدأت الجيوب تأخذ منحىً مختلفًا، إذ لم تُعد توضع في طبقات الثياب الداخلية كما كان متعارف عليه، ولم يعد الأفراد يرغبون بوجود عدد هائل منها بين طيّات ملابسهم، وإنما تمّ الاكتفاء بتلك الجيوب التي توجد على جانبيْ الفخذ دون غيرها، سواء عند الرجال أو النساء. عدا عن تأثير الحركة الكلاسيكية الكبير على أزياء النساء في جميع أنحاء العالم، إذ تغيرت طريقة تصميم الفساتين والتنانير، رُفع الخصر إلى الأعلى، وبدأت تأخذ شكلًا أكثر استقامةٍ، وبهذا كان لا بدّ من البحث عن بديلٍ للجيوب الداخلية الكثيرة.
كما لعبت الثورة الصناعية التي حصلت نهاية القرن الثامن عشر وبداية الذي يليه دورًا كبيرًا في تطوّر صناعة الحقائب، إذ شهد العالم تطوّرًا كبيرًا في صناعة السفن والقوارب والقطارات ووسائل المواصلات المختلفة، فزادت فرصة السفر والتنقّل أكثر عما كان عليه الأمر فيما قبل، ما يعني زيادة الحاجة إلى أمتعة السفر المحمولة باليد، التي ما تزال الحقائب تحافظ على تصميمها الأساسيّ حتى يومنا هذا.
التطوّر العالميّ الحقيقي كان مع بداية القرن العشرين، إذ لعبت حركة الأزياء على توفير حقائب اليد النسوية والرجالية بشكلٍ واسع، وأصبح بإمكان أي امرأة أو أي رجل امتلاك الحقيبة التي يجدها مناسبة من أيّ متجرٍ متوافرٍ أمامه. وكان لحركة التحرّر النسوية أثرها بكلّ تأكيد. إذ تم صنع أنواع أو حقائب مختلفة لأغراض مختلفة لتلبية الاحتياجات المتزايدة للنساء حول العالم. فحقائب الجلد للعمل، والأكياس البلاستيكية والورقية للتسوّق، وحقائب أو سلال القشّ للرحلات والنزهات، والحقائب البرّاقة والمزيّنة للحفلات المسائية أو المواعيد الخاصة، وهكذا.
مع تقدّم الرأسمالية والاستهلاكية في ذروة القرن العشرين، أصبحت العلامة التجارية ضرورية. وأصبحت العديد من الشركات المصنّعة تعتمد سياساتٍ خاصة تمتاز بها وتحمل اسمها، فاشتهرت حقائب غوتشي وبرادا وهيرميس آند لويس فويتون، كوتش، ديور، وغيرها الكثير الكثير. وعلى عكس القرون الماضية، لم يعد المصممون يحافظون على نمطٍ واحد لفترة طويلة، بل باتت التصاميم والأشكال والأنماط تتغير من موسمٍ لآخر، ومع كلّ تصميمٍ جديد يخرج الذي قبله من السوق ويتمّ وصمه بكونه "موضة قديمة” قد لا تليق بالوقت الحاضر أو الحالي.
وفي حين أن الثلاثينيات من القرن العشرين قدمت مجالًا لاستكشاف جماليات الحقائب والمحفظات، ركزت الأربعينيات على الأداء الوظيفي والعمليّ، وظهرت حقائب الكتف للمرة الأولى لتسهيل حملها واستخدامها، وتميّزت تلك الفترة بحقائبها الجلدية الأنيقة والمميزة التي ما يزال الكثير من المصمّمين الحاليّين ينظرون إليها بعين الإعجاب ويستلهمون من أفكارها وتصاميمها وأشكالها.
كما أدت الحرب العالمية الثانية إلى خلق ثورة في صناعة الحقائب، فشهدت الفترة قبل الحرب تقشّفًا واضحًا في طبيعة الحقائب والممتلكات التي توضع داخلها إذ كانت النساء فقط بحاجة إلى حمل بعض العناصر الأساسية بشكل يومي، محفظة النقود وبعض مستحضرات التجميل وعلبة السجائر. أما بعد انتهاء الحرب، فقد شهدت صناعة مستحضرات التجميل تطوّرًا كبيرًا، فتعددت أنواعها وازدادت أعدادها، فاضطرت النساء لحمل المزيد منها. إضافةً للمنديل والقفازات وعلبة العطر ومفاتيح السيارة والمرآة ومشط الشعر، التي لم تكن توجد في الحقيبة من قبل، ما خلق الحاجة لحقائب أكبر حجمًا لتستطيع استيعاب كلّ هذه الممتلكات.
وفي الخمسينات ظهرت ثقافة حقيبة الكتف الصغيرة التي تكمّل الثياب، فأصبح لكلّ ثوبٍ حقيبته الخاصة به التي تتناسب مع لونه وتصميمه والمناسبة التي يُلبس لها. كما ظهر للمرة الأولى في تلك الفترة السلسلة الطويلة أو الحزام الطويل الذي يحمل تلك الحقيبة الصغيرة.
أما في السبعينات من القرن الماضي أصبحت الحقائب وسيلةً للتعبير عن الذات والشخصية تماشيًا مع الحركات الفردية والذاتية العديدة التي ظهرت آنذاك، وفي الثمانينات عادت العلامات التجارية إلى الواجهة بشكلٍ أكبر من ذي قبل، أما في التسعينات فظهرت حركة تقليد الحقائب، فأصبحت تلك الشعارات التجارية توضع على الحقائب المزيفة التي يصعب تمييز زيفها، وبذلك ظهر سعر امتلاك العلامة التجارية والتفاخر بها بشكلٍ مضطرد. ومع بداية القرن الواحد والعشرين، عادت حقائب الرجال إلى الواجهةِ أيضًا جنبًا إلى جنب مع الحقائب النسائية.
وما زلنا حتى يومنا هذا نشهد تطوّرًا وتغيّرًا كبيرًا في نوعية الحقائب وأشكالها وأسعارها والمواد المصنّعة لها، ذلك التطور الذي يمكن وصفه سوى بالمجنون نظرًا لجنون المستهلكين والمستهلكات بالشراء والامتلاك والسير في تيّار الرأسمالية وأنظمتها. فهل تستطيع تخيّل الماهية التي ستكون عليها الحقائب بعد عقدٍ من الزمن على سبيل المثال؟