يعتقد العرب أن النصر واسترداد الحقوق المسلوبة يتحقق بالدعاء على المعتدي فقط، دون فعل أي شيء آخر، مخالفين بذلك منطق الحياة، وحكمة الله في الوجود. قلما سأل المسلمون أنفسهم ماذا جنوا من دعائهم على إسرائيل بالهلاك وتفريق الجمع وتشتيت الشمل، منذ عام 1948 وحتى الآن؟ لا شيء سوى ازديادهم قوة وبطشا، وارتقائهم في شتى المجالات، مقابل عجزنا وهواننا حتى على أنفسنا، ومع ذلك نحن مستمرون بالدعاء بانتظار معجزة لن تحدث.
الدعاء وحده لن يجعلك طبيبا بل عليك تجاوز مرحلة الدراسة المقررة، وصلاة ألف ركعة لن تجلب لك رغيف خبز واحد، وكذلك النصر على الكيان الصهيوني المحتل لا يأتي إلا بالقوة، علينا الاعتراف أنهم احتلوا فلسطين لأنهم أقوى، فكيف يستوي معنا طلب التغلب عليهم من ضعف؟!, جاء في الآية 55 من سورة الأعراف ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ والمعتدون هنا هم المتجاوزون للحد في كل الأمور، بمعنى آخر أن الدعاء المراد فيه تغيير تشريع سماوي يدخل في باب العدوان.
شعب غزة لا يفيده حزننا عليه، ولا ما نتداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أدعية وابتهالات، ولو كان الأمر كذلك لما وصل إلى هذا الحال. المطلوب منا فعل شيء حقيقي لوقف المجازر المرتكبة بضوء أخضر من الدول الغربية المنافقة، قبل الوصول إلى مرحلة التبلد العاطفي، التي تعني اعتيادنا على رؤية أطفال غزة في أكياس التسوق دون تحريك ساكن فينا.
وعليه إذا لم يكن من الدعاء بد، فالأولى الدعاء على أنفسنا، وما وصلنا إليه من انحدار وعجز، على استخفاف العالم بدمائنا، على ردود أفعالنا الهزيلة أمام ما يحدث.. المجد لـ يوسف صاحب الشعر "الكيرلي" الأبيضاني الحلو وكل شهداء غزة، والخزي والعار لنا.