حذر البنك الدولي من أن اتساع نطاق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة واستمرارها "ينطوي على آثار اقتصادية محتملة على الاقتصاد الأردني"، لا سيما تأثيرها على النشاط السياحي وما يترتب عليها من آثار على إيرادات السياحة والحسابات الخارجية.
وأضاف في تقرير اقتصادي جديد، رصدته "المملكة"، أن الحرب تشكل "تهديد" للنشاط السياحي وإيراداته خاصة في بداية أحد مواسم الذروة، خاصة بعد التعافي القوي للقطاع السياحي من أزمة كورونا، مشيرا إلى أن قطاع المطاعم والفنادق نما بوتيرة سريعة وكان عدد السياح "هو الأعلى" منذ عام 2019.
وبين التقرير أن التعافي السياحي للعام الحالي في الأردن كان واسع النطاق عبر فئات السفر والبلدان من المنشأ، حيث سجّلت فئة السيّاح ليوم واحد ارتفاعا ملحوظا بنسبة 76%، حيث يُعتقد أن هذه الفئة من السياح عادة ما تزور الأردن كجزء من جولات سياحية تشمل أيضا أراضٍ تحتلها إسرائيل، موضحا أن هذه الفئة تمثل قرابة 17% من إجمالي الوافدين في العام 2023 وقد تكون "الأكثر تأثرا" بشكل مباشر بالحرب.
وتشير تقارير أولية صادرة عن وكالات سياحية إلى انخفاض نسبة إشغال الفنادق والحجوزات بنسبة 50 إلى 75% خلال الشهرين التاليين لبدء العدوان، لا سيما في المواقع السياحية الأكثر شهرة.
وأشار التقرير إلى صناعة الطيران - التي كانت تتعافى لتوها من خسائرها المرتبطة بأزمة كورونا – قد تتكبد تكاليف تشغيلية أعلى لأنها تتخذ مسارات أطول لتجنب التحليق فوق مناطق الحرب، وقد تنشأ تكاليف إضافية أيضا في حالة ارتفاع أسعار الوقود، مما قد ينعكس على سعر المستهلك النهائي ويؤثر بشكل أكبر على السياحة.
وتتفق هذه التوقعات مع تصريحات وزير السياحة مكرم القيسي عن تراجع حجوزات الفنادق في الأردن بنسبة 50% منذ بدء الحرب على غزة في السابع من تشرين أول الماضي، حيث قال القيسي لـ "المملكة" إن الطلب على المواقع السياحية تراجع 40%، مشيرا إلى تراجع حجوزات المطاعم السياحية 60-70%، بحسب بيانات وردت من المواقع السياحية الأكثر زيارة كالبترا، وبالإضافة إلى البيانات الصادرة عن الجمعيات السياحية.
وأضاف القيسي أن 23 رحلة طيران عارض، و26 رحلة بواخر إلى العقبة أُلغيت منذ بدء الحرب، حتى نهاية العام لافتا النظر إلى أن هذه الإلغاءات تلحق خسائر بالمنشآت الفندقية إضافة لحجوزات المجموعات السياحية التي تشمل برامج سياحة المؤتمرات والحفلات وحجوزات المطاعم والمرافق ذات الاستخدام اليومي.
- تغير في سلوك الاستهلاك -
وبين البنك الدولي أن تراجع السياحة قد يكون لها آثار أوسع على النشاط الاقتصادي من خلال الروابط الخلفية والأمامية مع القطاعات الأخرى الأكبر حجما، موضحا أنه على الرغم من أن وزن قطاع المطاعم والفنادق لا يزال صغيرا مقارنة بإجمالي القطاعات (1.5% من الناتج المحلي الإجمالي) فإنه يرتبط ارتباطا وثيقا بقطاعات مهمة أخرى في الاقتصاد الأردني، ولا سيما تجارة الجملة والتجزئة، والنقل، والبناء.
ورجح البنك أن ينخفض الاستهلاك المحلي بنسب كبيرة من خلال التغييرات السلوكية، وهو يمثل حصة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي، "وفي السيناريو الأسوأ للتصعيد الإقليمي، يمكن أن تؤثر الاضطرابات في التدفقات التجارية على سلاسل القيمة وتكلفة الإنتاج، بالإضافة إلى تأثيرها على الاستثمار المحلي والأجنبي".رئيس الوزراء بشر الخصاونة، قال خلال جلسة حكومية، إن الدعوات المتعلقة بشلّ النشاط الاقتصادي من إضرابات وغيرها "لم ولا تخدم دعم أهلنا في غزة وإسنادهم بشيء، وتفضي وتؤدي إلى ضرر بأرزاق الناس وبالحالة الاقتصادية".
وأكد الخصاونة أيّ إضراب أو نشاط هو تعبير يستهدف الضغط السياسي للوصول إلى موقف معين، ونحن لدينا موقف متحِد ما بين القيادة والحكومة والشعب، وبالتالي تصبح هذه الدعوات ضرباً من إيذاء الذات وإنتاج الوهن في الجبهة الداخلية الأردنية.
وحذر البنك أيضا من احتمالية استيراد الغاز الطبيعي "بتكلفة أعلى" في حال تصاعدت التطورات واتسعت وتقلصت صادرات الغاز إلى الأردن، موضحا أن "لدى شركة الكهرباء الوطنية إمكانية لاستيراد الغاز الطبيعي المسال باستخدام منشأة التخزين العائم والإعادة إلى الحالة الغازية في ميناء العقبة، ربما بتكلفة أعلى من تكلفة الغاز الطبيعي المنقول عبر الأنابيب".
وأوضح البنك أن واردات الغاز "تخضع إلى اتفاقيات طويلة الأجل"، حيث يستمد الأردن احتياجاته من الغاز الطبيعي من مصدرين هما؛ مصر من خلال اتفاقية توريد الغاز طويلة الأجل مع شركة إيجاس، وحقل لفياثان الغازي من الجانب الإسرائيلي من خلال اتفاقية توريد غاز مع شركة شيفرون.
وأشار إلى أن الشهر الأول من العدوان، جرى إغلاق حقل إنتاج تمار وانخفض إنتاج إسرائيل من الغاز بنسبة تقرب من النصف، قبل أن يستأنف الإنتاج في أوائل تشرين الثاني حتى تاريخه، في حين لم يتأثر إنتاج حقل الغاز البحري لفياثان - مصدر إمداد الغاز إلى الأردن ولم يسجل أي انقطاع في استهلاك قطاع الكهرباء من الغاز في الأردن.
وزير المالية محمد العسعس، قال خلال خطاب الموازنة العامة للسنة المالية 2024 أمام مجلس النواب، إن الأردن "استطاع أن يتجاوز كثيرا من الأزمات الاقتصادية العالمية والإقليمية، وأن يستوعب جانبا كبيرا من الصدمات في ظل تمتعه باستقرار سياسي واجتماعي، وأسس متينة يستند إليها اقتصاده تدعمها عناصر القوة الكامنة فيها".
- عجز الحساب الجاري -
التقرير، أشار إلى أن الحسابات الخارجية قد تتعرض لتداعيات الحرب من خلال عدة قنوات؛ الأولى تأثير انخفاض عائدات السفر على ميزان الحساب الجاري، لا سيما في العام 2023، حيث إن التعافي الكبير في عائدات السفر منذ 2021 كان "عاملا أساسيا" في دعم الحساب الجاري.
"في سيناريو متشائم، تشير تقديرات إلى أن انخفاض عائدات السفر بنسبة تصل إلى 30-50% خلال الربع الأخير من العام الحالي "سيؤدي إلى تدهور في عجز الحساب الجاري بنسبة 0.4 – 0.8% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الحالي، مع توقع حدوث عودة تدريجية بحلول عام 2025.
وافترض التقرير أن يشهد حساب رأس المال أيضا انخفاضا في صافي التدفقات الوافدة مع تقلص الاستثمار الأجنبي المباشر، متأثرا بانخفاض الأرباح المحتجزة مع إعادة تحويل الأرباح إلى الخارج ومع تخوف المستثمرين من نشوب صراع إقليمي أوسع نطاقا.
أما القناة الثانية، أشار التقرير إلى أنه رغم احتواء أسعار النفط حتى الآن، فمن الممكن أن تؤدي الارتفاعات المحتملة إلى آثار كبيرة إذا ما شهدت أسعاره زيادات حادة، موضحا أنه "نظراً لأن منطقة الشرق الأوسط تشارك بحصة كبيرة في إمدادات الطاقة العالمية، فإن المخاطر بالنسبة لأسواق الطاقة تعد كبيرة خاصة أسواق النفط"وبين التقرير أن أسواق النفط شهدت في بداية العدوان بعض التقلبات، لكن الزيادات في الأسعار ظلت معتدلة نسبيا، حيث سجلت أسعار خام برنت متوسطا بلغ 90.9 دولارا أميركيا للبرميل في الفترة من 9 إلى 30 تشرين أول مقارنة بـ 93.7 دولارا للبرميل في أيلول.
ورجح البنك أن يؤدي التصعيد المحتمل للحرب إلى "زيادات أكبر"، حيث تتعرض البنية التحتية لإنتاج النفط والشحن للمخاطر. وبالنسبة للأردن وباعتباره مستوردا صافيا للطاقة، فإن زيادة أسعار النفط إلى 100-110 دولارا للبرميل ستعني ارتفاع عجز الحساب الجاري إلى 6.6%-7.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، مقارنة بـ 4.9% من الناتج المحلي الاجمالي في التقديرات الأساسية).
وأضاف التقرير أنه في حالة استمرار العدوان لفترة طويلة وارتفاع الأسعار لفترة أطول، فإن أثر ارتفاع أسعار النفط "قد يعوّض" ولو جزئيا من خلال زيادة محتملة في تحويلات الأردنيين العاملين بالخارج في دول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط، إضافة إلى احتمال زيادة دعم الموازنة من تلك الدول من خلال المنح.
- تباطؤ معدل الصادرات -
وفيما يخص تجارة السلع، أشار التقرير إلى أن الصادرات الأردنية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل تمثل 2.5% و1.1% من إجمالي الصادرات في العام 2022، على التوالي، أما الصادرات إلى الولايات المتحدة الأميركية فتمثل 20.9% من إجمالي الصادرات.
وفي عام 2022، تشير التقديرات إلى أن 1% فقط من الصادرات إلى الولايات المتحدة تتم من خلال اتفاقيات المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ)، مشيرة إلى احتمالية تعطل هذا الجزء الصغير بعد اتساع العدوان، حيث يصبح الحصول على مصادر المدخلات من مناطق الحرب أكثر صعوبة. وتشير التقديرات إلى أن تباطؤ معدل نمو الصادرات بمقدار نقطة مئوية واحدة يؤدي إلى ارتفاع عجز الحساب الجاري بقرابة 0.3-0.5 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.
وأضاف التقرير أن تداعيات الحرب الحالية على المالية العامة تتسم بـ "التعقيد"، حيث قد تختلف أثارها تبعا لحجم الصدمة وتغيرات سلوك المستهلكين والسياسات التي قد تتبناها الحكومة الأردنية للتعامل مع ذلك الأثر.
ولفت التقرير النظر، على سبيل المثال، إلى أن ارتفاع أسعار النفط قد يؤدي إلى تسارع وتيرة التضخم بسبب زيادة تكاليف الإنتاج والنقل، فضلا عن انخفاض الدخل المتاح للمستهلكين، مما يؤثر بالتالي على الإيرادات الضريبية من دخل الشركات ومبيعاتها، حيث من الممكن أن يتأثر الأخير أيضاً إذا حدثت تغييرات كبيرة في سلوك المستهلكين في أعقاب تأثير الحرب المحبط نفسيا على الأردنيين.
وأشار العسعس في خطاب الموازنة، إلى أن بعض المخاطر ما زالت تهدد مسار تعافي النمو خاصة مع تطورات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى التوترات العالمية وتأثيراتها على سلاسل الإمداد وأسعار المواد الأساسية والطاقة وانعكاساتها على معدلات التضخم وأسعار الفائدة.
وأضاف أن حالة عدم اليقين الإقليمي شكلت التحدي الأكبر الذي واجه الحكومة في وضع فرضيات الموازنة العامة لسنة 2024، ضمن إطار مالي واقتصادي دقيق في ظل وجود احتمالات مفتوحة لتطور واتساع الأحداث في المنطقة – لا سمح الله- وتداعيات ذلك على النمو واستقرار الاقتصاد. ارتفاع تكلفة التمويل -
وعلى جانب الإنفاق، أشار التقرير إلى أن ارتفاع التضخم قد يؤثر على القيمة الحقيقية للنفقات الحكومية، حيث أعلنت الحكومة الأردنية أنها لا تنوي إعادة إدخال دعم الوقود (على غرار السياسة التي تبنتها في عام 2022 بعد الحرب الروسية على أوكرانيا)، ولكن ارتفاع أسعار النفط يؤدي إلى زيادة الإنفاق على برامج دعم الوقود الحالية؛ للنقل العام والغاز المستخدم في الطهي. وقد يؤدى ارتفاع الإنفاق على دعم الوقود أيضا إلى استخدام بعض من الأموال الموجهة إلى الإنفاق الرأسمالي الحكومي لاحتواء ارتفاع الإنفاق.
التقرير، بين أن تقديرات تشير إلى أن زيادة أسعار النفط بنسبة 10% قد تؤدي إلى زيادة بنسبة 0.2% في العجز المالي، وبالتالي، إذا وصل سعر النفط إلى 100-110 دولارات للبرميل، فإن هذا يعني زيادة بنسبة 0.4 نقطة مئوية في عجز الناتج المحلي الإجمالي، في غياب تعديل أسعار الوقود المحلية.
ورجح التقرير ازدياد احتياجات الاقتراض لتعويض النقص، مما يزيد من الضغوط على متطلبات خدمة الدين في سياق ارتفاع تكلفة التمويل.
وعن المخاطر السيادية وتكلفة التمويل، أشار التقرير إلى أن فروق أسعار الفائدة المقاسة بمؤشر سندات الأسواق الناشئة - والتي تعكس المخاطر السيادية - ارتفعت بشكل مؤقت، حيث سجل الأردن متوسطاً قدره 437.8 نقطة أساس خلال الفترة من 1 إلى 30 تشرين الأول طبقا لمؤشر سندات الأسواق الناشئة، مقارنة بـ 311.8 نقطة أساس في أيلول.
وبين التقرير أن جميع البلدان المجاورة للأردن سجلت ارتفاعا طفيفا في المخاطر السيادية التي تواجهها في أعقاب اندلاع العدوان، حيث إنه "على الرغم من الارتفاع المؤقت الذي سجل أخيرا، تظل المخاطر السيادية للأردن أقل من جيرانه (مصر 1283.6 العراق 605.2، ولبنان 32468).
وأضاف التقرير أن وكالة فيتش أكدت تصنيف الأردن عند BB- مع نظرة مستقبلية مستقرة رغم استمرار الحرب، مستشهدة بسجل الأردن في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والسياسي في مواجهة الصدمات الخارجية الكبيرة.
ومن الجانب الفلسطيني، فقدت غزة ما لا يقل عن 66% من فرص العمل منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على القطاع المحاصر، أي ما يعادل 192 ألف وظيفة، بحسب تقديرات نشرتها منظمة العمل الدولية والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الأربعاء.
ويؤثر العدوان الإسرائيلي الذي بدأ بعد الهجوم الذي شنته حركة حماس في السابع من 7 تشرين الأول الماضي، على الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية، حيث تشير التقديرات المعدّلة إلى فقدان قرابة 32% من فرص العمل منذاك، أي ما يعادل 276000 وظيفة.
وتشير تقديرات صرح بها لكبير الاقتصاديين في وزارة المالية الإسرائيلية شموئيل إبرامسون - أوردتها صحيفة "دي ماركر" الاقتصادية - إلى أن كل شهر من الحرب قد يؤدي إلى خسارة في الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى ما بين 8 و9 مليارات شيكل (2.1 و2.4 مليار دولار)، وكذلك خسائر مستقبلية للاقتصاد وسوق العمل