على مدار 84 يوماً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لم يسمع الفلسطينيون سوى الهمّة الإعلامية والمؤتمرات والجولات المكوكية لرجال السياسية واجتماعات منظمات هيئة الأمم المتحدة ومجلسها المسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين وفقاً لأهداف ومقاصد هيئة الأمم المتحدة، هذه الهمّة "الإذاعية" سمعها الشعب الفلسطيني قبل اربعين عاماً في العدوان الإسرائيلي على بيروت العاصمة اللبنانية.
أمام العدوان ذي الطبيعة الفاشية الذي لم يترك فرصة واحدة للحياة في قطاع غزة؛ فالموت يلاحق الفلسطينيين من البحر والأرض والسماء، ومن الشرق والغرب والشمال، ومن الطائرات والمدفعية والدبابات والبوارج البحرية، فالقتل هنا لا يتعلق بفناء الجسد؛ بقدر ذهاب الروح والأمل والمستقبل، وبتجريدهم من آدميتهم، وبضعف الذات أمام تحمل رؤية الآباء يُقتَّلون والأمهات يتلقن وأشلاء الأبناء والأخوة والأخوات والأحباء متناثرة، وبالعجز عن تقديم طقوس احترام الموت، وبتدمير انجازاتهم الشخصية من بيت وأسرة وعمل، وبقتل أحلام أطفالهم وضحكاتهم في جنبات البيت.
هذا العجز الدولي ليس جديداً على الفلسطينيين، ودون دخول الفلسطينيين في معارك هامشية أو ثانوية مع أطراف هنا أو هناك فالفلسطينيين يحتاجون كل معونة ودعم سواء كان كلمةً أو مقالاً أو صورةً أو رفع العلم الفلسطيني أو خيمةً أو طعاماً أو قطع الطرق المائية على إسرائيل دعماً للشعب الفلسطيني، الأمر الذي يتطلب التركيز على الصراع الأساسي المتمثل بالاحتلال والعدوان الإسرائيلي وإنقاذ الشعب الفلسطيني من الكارثة التي يتعرض لها من موت عبر الإبادة الجماعية التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
في ذات الوقت نحتاج الخروج من شرنقة الفشل الفلسطيني "استمرار الانقسام" نحو وحدة التصور والمستقبل والمصير، وتعظيم المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وتطلعاته؛ فلم يعد ممكناً البقاء في دائرة الفشل والخذلان والضياع، والارتهان لتحالفات اقليمية ودولية الشعب الفلسطيني ليس جوهرها. الفلسطينيون اليوم يستطيعون النهوض من جديد كطائر الفينيق الفلسطيني للخلاص الوطني ولوقف التيه السياسي الفلسطيني، لكن القدرة غداً على ما يبدو أنّها غير ممكنة.