والله، لم نشأ معك خلافًا، وقبلنا منك اختلافًا كان يحدونا الأمل بأن ينتج معرفة - كما يقول الماركسيون رفاق ماضيك العالق بالأسئلة المرعبة- ولكنّنا نريد معرفةً ناجزة، ونوايا عامرة بالإخلاص، وصدقًا، وانتماء، وشرف مواطنة بعد أن أضحت الوطنية الحقّة عسيرة وثقيلة على الكثير من الساسة والكُتَّاب وروَّاد ليّ الحقيقة واغتيال الوعي.
رغبنا دومًا أن تُحسن الظَّنَّ كما أتقنت الفنّ في تجزئة المعنى والتورية وتوجيه الخطاب، وبوح العفوية الممنهجة المدجّجة بنوايا الضِّدّ الحذر. حرصنا بأن تدرك أنّ الأوطان أقدار برسم الإيمان، وأنّ القضايا العالقة -مهما بلغت قدسيتها ونبل أهدافها- قرار، والرأي لنا ولكم خيار ما دام لا يزرع فتنة ولا يطارح في شعورنا الوطني عفّة؛ عفة ألفناها وعرفناها بصميم الشرف نحو فلسطين؛ شعباً وهوية ومقاومة ومقدسات.
مصالح الدولة العليا أيّها الواثق الأنيق كُتبت بدماء الرّجال، وعطر الشهادة، وصبر البناة الأوائل. كنّا مع الملك والجيش والتراب والسيادة عندما كانت البنادق تُصوّب نحو خاصرة الوطن، وكان غيرنا يحاول اغتيال وطن بأكمله فلا تستعجل، وكنّا مع القضية والوصية والحق يوم دُبّرت المكائد بليل، وما زلنا على نهج الهاشميّين الأباة؛ القدس قدسنا، وستبقى لنا، ولن نتخلى عن ذرّة من ترابها الطّهور.
صباح النون مرة أخرى وأخرى وأخرى حتى يبلغ الصبر مداه، والحُلم منتهاه؛
من قال لك إنّنا نرى مصالح الدولة العليا من أبواب الصّهاينة الغزاة وحلفائهم الطغاة؛ لا يا عمر، نحن مع أهلنا ومقاومتهم وصمودهم، ودماء الشهداء تنزف من قلوبنا كما انت، وفلسطين قضيّتنا، والقدس وديعة آل هاشم فينا؛ زنوداً ورجولة ووفاء، ولكن هذا لا يعني أن ننحر وطننا كي تهتف لنا، ونضعف جيشنا وسيادتنا من أجل أن نتجنب عصف أصغريك المثقلين بالتَّجنّي؛ فنتحول بمجاراة رأيك إلى ميليشيات تفتك بالوطن ووحدة فسيفسائه، وتعود البندقية إلى خاصرتنا مرّة أخرى -لا قدر الله.-
كلّ ما قلناه إنّه لا راية تعلو فوق راية الوطن، وهذا حقنا، وإنّ اليد التي لا تحمل العلم الأردنيّ قبل العلم الفلسطيني يدٌ خائنة، وهذا بأسنا، وقد آن أوان الإدراك أنّ سلوك الدولة يختلف عن سلوك الفصائل والميليشيات، فلا تقترب منك الظنون أنّ حرصك على فلسطين يفوق حرصنا؛ لأنّ لنا فيها دمًا وشهداء وذكريات وكرامة بحجم البطولة والشَّرف.
هذه الثالثة التي تغمز فيها من قناتنا، وتُصادر فيها رأيًا نعلنه بكلّ حريّة ووضوح، ولا تزاودوا علينا في محبّتكم للعرش والوطن والدّستور والمؤسّسات، والأردن الحبيب بترابه وعطره الأصيل هو لمن يعمل له، لا لمن يعمل عليه، والأيامُ دُولٌ، ولتقبل رأينا، ونصيحتنا المتخمة بالصبر، وكفى..