شامخاَ كالطود العظيم، رافعاَ رأسه كأنه يلامس الغيوم، يتباهى بالبوريه على رأسه، بلباس العسكرية المكتمل الأناقة والهيبة، جندي بالجيش العربي على جبينه سيفين وتاج، يقضي طيلة نهاره تحت أشعة الشمس، وطيلة ليله في موعد مع القمر ونجوم الليل، واقفاَ بعيون صقر متأهب، يحرس ويراقب كل شاردة وواردة على الحدود، كي لا تدنسها نفس طامعة، أو بائع سموم ظن أن الفراغ الذي أمامه خالي من الصقور التي تنقض عليه قبل أن يدنس أرض الوطن.
هم العسكر، هم الأبطال، هم الدروس العظيمة التي نستلهم منها العبر، نتدارس سيرهم العظيمة التي تجعلنا نرفع هاماتنا بالأعالي، ونفتخر بالوطن وتاريخه، نفتخر بتاريخ جيشنا العربي الحافل بالبطولات والتضحيات العظيمة، دفاعاَ عن وطنه وأمته، ولا زالت شواهد القبورعلى ثرى فلسطين الطاهرة، تشهد على بسالة الجيش العربي، الذي قدم الغالي والنفيس لأجل بيت المقدس، وسالت على جنباته دماء الشهداء الزكية، وكان الأخ والسند لأهلنا في فلسطين وغزة.
بصفتي إبنة مصاب حرب، والدي رحمه الله كان قصة من ضمن آلاف القصص التي تشهد على تميز الجيش العربي الذي حارب في معركة الكرامة وغيرها من المعارك أمام الآلة العسكرية للعدو الإسرائيلي الضخمة، أثبت وقتها " نظرية أن الرجال هي التي تحارب " رغم شح العتاد والإمدادات فإن العسكري الأردني لا يهزم ولا يدير ظهره للخصم.
والدي كان مدرباً للصاعقة في القوات الخاصة، كان يرى أن الجندية تحتاج لأعلى درجات القوة والثبات والرجولة، كان يروي لنا حكايات العسكر كأنه يتحدث عن فرسان الأساطير، كانوا لا يخشون الموت، ويرون بأن الوطن يستحق التضحيات، وأن الذود عنه أمانه في أعناقهم.
في إحدى الحروب أصيب أبي بشظية صاروخ رماها العدو الصهيوني على موقعه، أصيب وقتها إصابة بالغة، وكانت حالته سيئة جداً، وكانت أمعاءه خارج بطنه، وقتها قامت أحدى أخواتنا الفلسطينيات بخلع عصابتها وكانت كوفية، وربطتها على بطنه إلى أن وصل المستشفى، حيث تم بعدها استئصال جزء من معدته وطحاله، وبقي فترة طويلة هناك إلى أن استرد عافيته، خرج أبي من المستشفى وكان قد استشهد بعض رفاقه، ومنهم من أصيب إصابة متوسطة أو شديدة، هكذا بقيت الذكريات مرسومة على أجسادهم، ومكتوبة في تاريخ الوطن الذي يعتز بهم.
في يوم المحاربين القدامى، والذي يصادف يوم الخامس عشر من شباط، نستذكر ولا ننسى ما قدمه فرسان الجيش العربي من عطاء للوطن الذي يعشقون، ونثمن هذا العطاء والتضحيات المستمرة، حيث لا زالت حدود الوطن محروسة بعيونهم، ولا زالت تستمر التضحيات، ولا زال هذا الجيش السند الداعم لأهلنا في فلسطين وغزة، ويبقى جند هذا الوطن يقدمون أرواحهم ثمناَ لعشقه ويروون الأرض بدمائهم الزكية التي حتماَ ستنبت عزةَ وكرامةَ وترفض أن تدنسها أقدام الأعادي، لكي يبقى آمناً مستقراً.