تزايَدت هجمات الجماعات الإرهابية على الجيش المالي في فبراير الجاري، مستغلة في تبرير أفعالها ما يتم نشره بشأن انتهاكات تقوم بها شركة "فاغنر" الروسية المسلحة الخاصة، حليفة الجيش، ضد السكان وسيطرتها بالقوّة المسلحة على مناجم الذهب.
من ناحيتهم، يربط محللون سياسيون من مالي، تحدّثوا لموقع "سكاي نيوز عربية"، بين زيادة هذه الهجمات و"استخفاف" الجيش بقدرات خصومه، حتى إنه أهمل تأمين منطقة وسط البلاد التي تقع فيها معظم الهجمات ضده، لصالح التركيز على شمالها، بهدف استعادة السيطرة على إقليم أزواد، إضافة لتعرّض المدنيين لـ"انتهاكات".
تسلسل هجمات فبراير
أعلنت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، وهي تحالف من الجماعات الموالية لتنظيم القاعدة الإرهابي، والأكثر انتشار في الساحل (دول وسط وغرب إفريقيا)، مسؤوليتها عن عدة هجمات ضد الجيش في فبراير.
وتشمل الهجمات منذ بداية الشهر حتى يوم 12 منه:
2 فبراير 2024، فجّرت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" سيارة تابعة للجيش و"فاغنر" بعبوة ناسفة قرب جبالي في ولاية سيغو، وسط مالي، كما تعرّضت سيارة أخرى لهجوم في قرية قومبو بولاية كوليكورو وسط البلاد.
3 فبراير، نصب مقاتلو نفس الجماعة كمينا لمرتزقة "فاغنر" بين بوني ودلا؛ ما أسفر عن مقتل 3 منهم، ونشرت الجماعة صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
4 فبراير، استهدفت الجماعة سيارة للجيش قرب قرية بارو في ولاية موبتي، وسط البلاد.
5 فبراير، نصبت الجماعة كمينا للجيش قرب جيما في ولاية كوليكورو؛ قُتل بسببه 5 جنود، واستولى الإرهابيون على سيارة وأسلحة ومعدات.
8 فبراير، هاجمت الجماعة مقرا للجيش في قرية ملغي بولاية كاي قرب الحدود مع موريتانيا والسنغال ونجم عن هذا مقتل 4 جنود والاستيلاء على سيارتين وأسلحة وذخائر وإحراق المعسكر قبل مغادرته.
9 فبراير، هاجمت الجماعة مقرا للجيش في بارقونداقا بولاية موبتي، وقتلت جنديا، واستولت على معدات عسكرية، كما استهدفت قرية تويجري على بوابة مدينة موبتي؛ ما أدّى إلى مقتل عمدة البلدية الذي تتحدّث تقارير محلية عن دور له مع الجيش و"فاغنر" في عملية مورا التي قُتل فيها 600 مدني خلال مارس 2022.
10 فبراير، نصبت الجماعة كمينا للجيش قرب ماجاكوي بولاية سيغو، وأكّدت مقتل 9 جنود، وفي نفس اليوم تم تفجير سيارتين للجيش في سيغو.
10 فبراير أيضا، كان لتنظيم داعش دور هذه المرة؛ حيث هاجم قافلة للجيش و"فاغنر" في آنسغو بولاية غاو، شمالا، وقال مصدر أمني من ولاية ميانكا، منطلق القافلة، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الهجوم العنيف استمر ساعة تقريبا وتدخل الطيران المالي بضربات ضد "داعش"؛ ما أدى إلى قتلى بين الإرهابيين، كما قُتل وجُرح بعض الجنود.
12 فبراير، نصبت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" كمينا للجيش في هيريماكونو بولاية سيكاسو، جنوبا، وأنباء عن خسائر في صفوف الجيش.
رد الجيش المالي
فيما يتعلق بالهجوم ضد قافلته بين أنسنغو وميانكا، أوضح الجيش أن قواته "التي ترافق قافلة تموين لصالح سكان ميانكا أحبطت كمينا على بُعد 60 كم من ميانكا، وألحقت خسائر فادحة في الجانب الإرهابي"، دون أن يتطرّق لخسائر بين صفوفه.
وتشهد مالي تصاعدا في الهجمات التي تستهدف الجنود والمدنيين منذ الانقلاب العسكري على إبراهيم بوبكر كيتا في أغسطس 2020، ثم تحالف نظام الحكم الجديد مع شركة "فاغنر" لدعمه ضد الحركات الإرهابية ومتمردي إقليم أزواد، خاصة بعد رحيل القوات الفرنسية.
إهمال منطقة الوسط
يُرجع المحلل السياسي المالي بونكانا ميغا، تصاعد الهجمات ضد الجيش في وسط البلاد، إلى تركيزه على العمليات شمالا، ونشر جزء كبير منه، بما في ذلك الطيران هناك، فأصبحت منطقة الوسط "فريسة سهلة لجماعة نصر الإسلام والمسلمين".
ويحذّر ميغا من أن "استمرار ذلك، مع كثرة هزائم الجيش أمام الجماعات الإرهابية في وسط البلاد، وانتهاكات مرتزقة فاغنر الوحشية ضد المدنيين، وما تقوم به من نهب واعتقالات، قد يؤدّي لتقويض ثقة الجمهور في الحكومة؛ وبالتالي تأجيج التوترات، ونرى بالفعل فرار الكثير من السكان للبلدان المجاورة".
بالمثل، يقول الخبير في الشؤون السياسية في مالي، محمد أغ إسماعيل، إنه "في ظل ادّعاء باماكو التفوق على الجماعات الإرهابية والانفصاليين الأزواد، فمن الطبيعي أن ينخفض التركيز على الجوانب الأمنية لصالح أمور أخرى، بينما تجيد الجماعات الإرهابية التكيّف مع تكتيكات خصومها واستغلال نقاط ضعفهم في الوقت المناسب".
ولا يستبعد أغ إسماعيل "أن تستفيد الجماعات في التجنيد والدعم من قتل المدنيين على يد مرتزقة فاغنر، ويحصل الإرهابيون على معلومات عن وجود الجيش في إطار الانتقام"، محذّرا من أن المواجهات قد "تتطور الشهور المقبلة إن لم تظهر استراتيجية جديدة".
"فاغنر" وسباق الذهب
رغم تأزم الوضع الأمني فإن "فاغنر" تخصّص جانبا كبيرا من اهتمامها على التنقيب عن الذهب والسيطرة على مناجمه.
وفي 9 فبراير الجاري، سيطرت الشركة الروسية على أكبر منجم للذهب في إقليم أزواد، والواقع في إنتهقا بولاية غاو، وقالت مصادر محلية لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الشركة أعطت لحركات الدفاع الذاتي لطوارق إمغاد، المسيطرة على المنجم، مهلة 24 ساعة لتركه.
وتمّت عملية السيطرة تحت تهديد السلاح؛ حيث وصلت تعزيزات عسكرية، منها طائرات تقل جنودا ومرتزقة للمنطقة، وفق المصادر ذاتها.
ووفق الخبير في الشؤون الأمنية والاقتصادية من مدينة غاو، الحسين ميغا، فإنّ سباق السيطرة على مناجم التعدين يزيد اشتعالا في أوقات الاضطرابات الأمنية، وتزيد حول هذه المناجم الهجمات؛ ما يعرّض السكان والعمال لخطر جسيم.
وفيما يخص "فاغنر" فإن اهتمامها بمناجم الذهب "يثير مخاوف أخرى؛ لافتقارها للشفافية في أعمالها التجارية؛ ولذا يجب أن تسير أنشطة التعدين بما يتوافق مع القوانين الوطنية والدولية، وبما يخدم مصالح السكان المحليين؛ منعا لزيادة التوترات الاجتماعية"، كما ينصح الحسين ميغا.