إن ظاهرة الغياب عن المدرسة من الظواهر التي تعاني منها مدارسنا في الوقت الحاضر، والمقصود بالغياب؛ هو انقطاع الطالب عن المدرسة بصورة منتظمة، وقد يعود هذا الانقطاع إلى أسباب تتعلق بالمدرسة نفسها، أو بالطالب نفسه، أو ببعض المواد الدراسية، ويؤدي ذلك إلى حرمان الطالب من فرص النمو المختلفة، وهذا يؤثر بشكل مباشر فيما بعد على تشكيل شخصيته، وقد يؤدي تكرار الغياب إلى ضعف الطالب الدراسي في المواد التي يتغيب عنها، وينجم عنه في الغالب تفكير الطالب بالانقطاع التام عن المدرسة.
ولا يتوقف ضرر التسرب من المدرسة على الطالب المتسرب فقط، بل يتعداه إلى المجتمع ككل، وما دام الأمر كذلك فإن مديري ومعلمي المدارس مطالبون بإعطاء ظاهرة التسرب الاهتمام الزائد، وعليهم إزالة الأسباب التي تتعلق بالمدرسة، التي تؤدي إلى تسرب الطلبة، ومساعدة الطلبة في التخلص من العوامل التي تتعلق بهم، أو تتعلق ببعض المواد الدراسية.
إذ يتمثل المظهر العام للمشكلة الحالية كما يبدو من اسمها، " غياب الطالب يوميًا بشكل كامل عن المدرسة لفترة متواصلة أو بشكل متقطع".
فالأسباب المحتملة للغياب عن المدرسة؛ قد تكون عوامل تربوية؛ كعدم تلبية المنهاج لرغبات وميول وحاجات الطلبة، مما يؤدي إلى عدم رغبة الطلبة بالدراسة والمدرسة. وضعف التواصل بين المدرسة وأولياء أمور الطلبة. وعدم قيام أولياء الأمور بدورهم في متابعة أبنائهم في المدارس. وعدم توافر الهيئة التدريسية المؤهلة علميًا ومسلكيًا التي تحسن التعامل مع الطلبة مع إشعارهم بالفائدة التي تعود عليهم من وجودهم في المدرسة. وطريقة تعامل الإدارة المدرسية التسلطية مع الطلبة تؤدي إلى دفعهم للتغيب عن المدرسة. وعدم مناسبة المواد الدراسية لقدرات الطلبة العقلية. وسوء الظروف الشكلية المدرسية مثل : عدم توفر الإضاءة و التدفئة في الشتاء، أو التكييف في الصيف. وعدم مناسبة بعض أساليب التدريس التي يستعملها المعلمون، مما ينفر الطلبة من بعض الدروس.
وقد تكون عوامل نفسية؛ كإثقال كاهل الطالب بالواجبات المدرسية، و استخدام العقاب المدرسي وما يتركه من آثار سلبية تجاه المدرسة، واتجاه الطلبة السلبي نحو المدرسة والمعلم. وعدم ثقة الطالب بنفسه، وضعف الحافز لديه للمدرسة، نتيجة ضعف تحصيله وفشله المتكرر، وهذا يؤدي إلى فقدانه متعة وجوده في المدرسة. وخوف الطالب من مدير المدرسة أو من المعلم أو أحد زملاءه مما يدفعه إلى التغيب عن المدرسة. وعدم تلبية المدرسة لحاجات الطلبة النفسية، كحاجته للأمن والاطمئنان، وحاجته للحب والنجاح وحاجته للضبط... الخ. وشعور الطلاب بالكبت والتوتر والقلق في غرفة الصف، مما يدفعهم إلى التغيب عن المدرسة. وسوء معاملة المعلم للطالب أو توفر صفة شخصية غير مستحبة فيه.
وقد تكون عوامل اجتماعية و اقتصادية و صحية؛ كانخفاض مستوى الأسرة الاجتماعي أو الصحي أو الاقتصادي. وخبرة الطالب بمشكلة أسرية أو شخصية إجتماعية أو اقتصادية أو نفسية. وحاجة الأب لأولاده لمساعدته للعمل معه في مزرعته أو دكانة لتوفير أجرة العمال. وصعوبة المواصلات التي تحول دون التحاق الطالب بمدرسته في الوقت المحدد. وانخراط بعض الطلاب في مجتمع رفاق السوء. واتجاه الأب أو الأم السلبي نحو المدرسة والتعليم. وعدم قدرة الأب على تغطية نفقات الأسرة المعيشية. والحالة الصحية للطالب تؤدي إلى تغيبه عن المدرسة.
وأُود أن أشير هنا إلى أنه من الصعب الفصل في بعض الأحيان بين العوامل الثلاثة المذكورة سابقًا، نتيجة إرتباط الصحة العقلية والنفسية للطلبة بالعوامل التربوية التي توفرها المدرسة وبالنواحي الاجتماعية والاقتصادية والصحية للطلبة. كما وأُود أن أشير إلى مجموعة من الأسباب التي تدفع الطلبة للغياب والهروب من المدرسة؛ كاتجاهات الوالدين اللامبالية نحو المدرسة من أكثر الأسباب شيوعًا للهرب من المدرسة، ففي بعض الحالات تكون الأم عاملة وتفضل بقاء الطفل في البيت للقيام بالأعمال البيتية، وفي بعض الحالات يكون الطالب عادة من أسر مفككة. كما ويكثر تكرار ذكر صعوبات التحصيل كسبب للهرب، فبسبب القلق المرتبط بالواجبات المدرسية التي يجدها الطالب صعبة، فإنه يتغيب عن المدرسة، ويعاني الطالب فيما بعد من الضعف التحصيلي الذي يؤدي بدوره إلى مزيد من التغيب، ويعاني الطالب فيما بعد من النبذ من زملائه لأن عمره بسبب الرسوب أكبر من أعمارهم.
كما ويكون بعض الطلبة متفوقين عقليًا على زملائهم في الصف ولذا فهم يبتعدون عن المدرسة لأنهم يجدون الدروس مملة وغير ممتعة. ويعتبر مثل هؤلاء الطلبة عادة في المدرسة طلبة ذوي مشكلات سلوكية، وفي بعض الحالات يمكن أن يحل المشكلة
ترفيع الطالب إلى صف أعلى أو أكثر. وأيضًا هروب بعض الطلبة من المدرسة بسبب خوفهم من العنف فيها أو لأنهم يذهبون باحثين عن المغامرة، إلا أن الطالب الذي يكثر من التغيب عن المدرسة غالبًا ما يكون هاربًا من أمر ما أكثر منه باحثًا عن المتعة.
وهنا أضع الحلول المقترحة للمشكلة؛ جرت العادة في الكثير من المدارس، معالجة مشكلة غياب الطلبة بإيقاع العقوبة بحق الطالب المتغيب دون معرفة الأسباب الحقيقية لغيابه، وظهرت الآن اتجاهات حديثة في معالجة هذه المشكلة، لأنه اتضح أن بعض الطلبة يتغيبون عن المدرسة لأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو صحية أو تربوية تدفعهم إلى التغيب، وهذا الاتجاه ينادي بضرورة الوقوف على الأسباب الحقيقية لتغيب الطلبة ومحاولة التغلب عليها بالتعاون مع المجتمع المحلي إضافة إلى إعتناء المدرسة ببرامجها التي تقدمها داخل المدرسة وخارجها، فللمدرسة دور كبير في منع ووقاية ظاهرة الغياب إذا قام المعنيون بالأمر بأدوارهم بشكل صحيح، وفيما يلي بعض الحلول المقترحة التي يمكن أن تتبعها المدرسة في علاج هذه المشكلة؛
كالإجتماع مع الطالب والتعرف على نوع مشكلته الإجتماعية أو الإقتصادية أو النفسية ثم الاستجابة إليها إنسانيًا وعلميًا وموضوعيًا باستعمال الأساليب والإجراءات العلاجية المناسبة، ومن المشاكل التي يمكن أن تكون سببًا في غياب الطلبة؛ النزاعات العائلية بين الأب والأم، أو بين أفراد الأخوة أو بين الأسرة وأسرة أخرى - متاعب الأسرة الإقتصادية وحاجة الطالب للعمل بعض الوقت لسد بعض الحاجات - الأسرية أو الشخصية الملحة - طلاق الوالدين أو انفصالهما أو موت أحدهما أو كليهما، - معاناة الطالب نفسيًا من معاملة أسرية كما يحدث في بعض الأحيان عند تفريق أو تمييز الوالدين في المعاملة بين ابن وآخر، أو نتيجة لصعوبة صحية، أو المعاملة غير عادية من زوج الأب أو زوج الأم.
ولمعالجة مثل هذه المشكلات فإن المعلم بحاجة إلى الاستعانة بوكالات اجتماعية متخصصة أو أفراد متخصصين نفسيين أو إجتماعيين. و تحديد الإدارة المدرسية - بالاجتماع مع المعلم ومناقشته لنوع المعاملة ومظاهرها أو الصفة غير المستحبة في شخصيته والتي تؤدي بالطالب للغياب عن المدرسة كليًا أو جزئيًا ثم محاولة المعلم الجادة إلى تغيير ما يمكن تغييره أو نقل الطالب إلى شعبة أخرى إذا كان هذا ممكنًا. وتحديد مواطن الصعوبة لدى الطالب في المادة الدراسية، ثم العمل على تعليمه المبادئ الأساسية المتعلقة بها وبناء قدرته الإدراكية بصيغة منتظمة ومستقرة. وتحسين الظروف الشكلية المدرسية من ضوء وتهوية وبناء مدرسي وتدفئة وساحات عامة، لأنها قد تكون في بعض الحالات المتطرفة سببًا في غياب بعض الطلبة. وإيجاد المناخ التعليمي المناسب في غرفة الصف، لأن معظم العوامل النفسية التي تدفع الطالب إلى التغيب ناتجة عن كون البيئة والمناخ التعليمي غير مناسب ومنفر للطلبة وغير مشجع، الأمر الذي يدفعه إلى الهروب والتغيب عن المدرسة. ومتابعة مدير المدرسة غياب الطلبة، وفي جميع الحالات عليه طلب بيان خطي من ولي الأمر عن سبب الغياب. وهذا لا يلغي دور المعلم في المتابعة. وإعداد المعلمين لدروسهم بشكل جيد والتنويع في الأنشطة الصفية، وإعداد بدائل لها حتى تناسب جميع طلبة الصف. وتلبية الحاجات النفسية للطلبة من أمن وأمان وطمأنينة وحب ونجاح حتى يجدوا متعة في الوقت الذي يقضونه في المدرسة ويلمسوا الفائدة من وجودهم بين جدرانها. وعلى الأب أن يعبر عن عدم رضاه في حالة غياب طفله عن المدرسة، يُطلب من الأب أن يعتقد بأن المدرسة مهمة ومفيدة لطفله، وأن ينقل للطفل هذا الاعتقاد، وأن يطلب منه بوضوح وثبات أن عليه أن يذهب إلى المدرسة وعلى الأسرة أن تقيم اتصالًا جيدًا مع المدرسة بحيث تستطيع أن تعرف فورًا فيما لو تغيب طفلها عند أية حصة أو لم يذهب إلى المدرسة دون أن تلقي اللوم عليها أو على المعلم أو الطفل. وقدّم الحوافز المناسبة؛ يمكنك أن تستشير دافعية الطفل للدوام في المدرسة بأن تحدد له بوضوح المكافآت التي تترتب على ذهابه إليها و العقوبات التي تنتج عن عدم ذهابه.