المجالس مدارس ...من مجالس الغانمين شروى المتابعين المتفاعلين
" إن من الشِّعْر لٓحكمةً
« قصائد شعرية شعبية اجتماعية خالِدة » --
هذه قصيده للشاعر «سليمان مِثْرِي الوابصِي البْلِوِي» - رحمة الله - ؛ يعالج فيها بعضًا مما بواجِهُه الناس من قضايا اجتماعية في حياتهم اليومية ، وقد أعطى الشاعر في أبيات قصيدته خلاصة تجاربه المليئة بالحكمة وسداد الرأي اللتٓيْن إن أخذ بها القاريء ، استفاد خيرا كثيرا ؛ لأن الإفادة من تجارب وخبرات الناس الآخرين توفر للإنسان حياة آمنة مريحة ، كما توفر عليه الوقوع في تجارب خاسرة.
يقول الشاعر البلوي :
* يالِّلي سألتْ سعودْ خذْ كٓلمةْ سعودْ
مفروضْ جرح الروحْ مٓحدٍ دٓرٓى بٓهْ
* حٓربْ البعيدْ يوحِّد الصّفْ يٓحمودْ .
بٓسْ البٓلا يٓحمودْ حٓربْ القرابٓهْ .
* الّٓلابه الِّلي بينها الهٓرجْ موجودْ
أشهد شهادةْ حٓقْ ماهي بْلِابٓه .
* هرجْ القٓفٓا بالنٓاسْ عيبٍٍْ ومنقودْ .
كِلْمٓهْ ، وتِكبٓرْ لِينْ تصبح طْلٓابٓهْ
* والبيتْ لا شِيِّد على كِذْبْ وجْحودْ .
مهما كِبِرْ يرجعْ على أصلٓهْ خٓرٓابٓهٔ .
وياللي تقول ان الفهد ينجب فهودْ
ماكل نظرات الاوادم تِشابٓهْ
الطِّيبْ ماهو وِرْثْ يورث من جْدودْ
* شِفْ كٓمْ ذِيبٍٍ مايعقِّب ذْيابٓهْ
وكمْ واحدٍ يجهل وهو شايبٍ عُودْ
يتبع هوى نفسٓه ويجهل صٓوابٓهْ
*الجُودْ ما كِلٍ ترى يقدر الجُودْ .
وإلا الرّٓدى يا حْمُود مٓفتوحْ بابٓهْ .
يا حْمُودْ ما خُنّٓا مواثيقْ وعْهُودْ .
لا والذي للناس نزّٓل كْتٓابٓهْ .
*أٓدْمٓحْ خطا مْساعِدْ على شانْ مسعود .
أٓسْكُتْ حٓيٓا ، ماهو بْخُوفْ ومٓهٓابٓهْ .
والصّبرْ له حِكْمةْ ، ولٓهْ وقتْ وحْدُودْ .
*أٓصْبِرْ على العٓجّٓهْ بْرٓجْوٓى سٓحابٓهْ .
*ومِنْ لايعشٓقْ المجدْ مايِكْسٓبْ الفُود .
هذاكْ خِبْلٍ ، وساتراتٓهْ ثْيابٓهْ .
لٓعيونْ بنتْ العِز لعيونها السُّودْ
الذِّلْ مٓحْدٍ من ربوعي رِضٓابٓهْ .
حِنّٓا ترى ياحمود حٓمّٓايةٓ الذُّودْ* .
يوم الليالي يابنْ عمي نِهابٓهْ .
يومْ إنّٓهٓا مابين سيفٍ وبارودْ
سُدْنٓا - رعاك الله - في شرع غابٓهْ
واليومْ صارتْ كلها اسْهودْ ومْهُودْ .
نِرْكٓعْ لوجهْ الله ونرجِي ثوابٓهْ
حٓرب البعيدْ يْوٓحِّدْ الصّٓفْ يٓحْمودْ
بٓسْ البٓلٓا يٓحْمودْ حٓربْ القٓرابٓهْ .
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
* " يالِّلي سألتْ سعودْ خذْ كٓلمةْ سعودْ " : يقصد ؛ الذي طلب النصيحة والحكمة من نفس الشاعر ، ولم يقصد أحدا اسمه سعود ، وإنما هذا من باب التشويق ، وسيرا لبدء القافية الشعرية (حرف الرّٓوِيّ) .
* هذه من أجمل الأبيات التي تعالج أمراض اجتماعية مستعصية ، ومنها ؛ الحسدُ ، والغيرةُ ، والمكائد التي يدبرها الأقارب بعضهم لبعض ، وهذه حالة منتشرة عند العرب بشكل عام ، ويذكر الشاعر بأن حرب الأعداء توحد صفوف الأقارب داخل العشيرة الواحدة ؛ ليكونوا أقوياء في وجه أعدائهم ، لكن المصيبة في الحرب التي يعلنها الأقارب بعضهم ضد بعض ؛ إذ إن هذه الحرب والعداوات سبب كبير في ضعف تلك العشائر أمام العشائر الغريبة عنها .
*البٓلٓا : البلاء والمصيبة .
* اللابةْ : أي أن العشيرة التي تأكل لحم أفرادها ، وتحارب نجاح رموزها ، وخاصة المميزين منهم ، لا تستحق أن تكون عزوة وسندا له .
*هرج القفا : هو الكلام في النميمة والغيبة ، والذِّكْر السييء للآخرين حال عدم وجودهم في المجالس التي يدور فيها ذكرهم .
*ما هي بْلٓابٓه : أي إنها ليست عشيرة للنخوة ، والفٓزْعة ، وليست عُزوة حقيقية ، ولا سندا حقيقيا لأبنائها ؛ إذ لا غِيرٓة ، ولا حٓمِيّٓةٓ ، ولا أٓنفٓةٓ عندهم ؛ وهم تٓبٓعٌ للعشائر الأخرى ؛ إذ تطغى مصالحهم الشخصية وأطماعهم على مصلحة العشيرة التي يحملون اسمها في الهوية الشخصية فقط .
* الحكي وانتقاد الآخرين في غيابهم أشد أنواع العيب .
* "كِلْمٓهْ ، وتِكبٓرْ لينْ تصبحْ طْلابٓهْ " : أي تصبح الكلمة السيئة التي يقولها شخص متهور في نقد الآخرين حقوقًا يطالب بها الذي أصابه الأذى ؛ وكما يقول المثل العربي : "النارُ من مُسْتصغر الشّٓررِ" .
* "يِبْلّشْ بها العاقل من افعال مْقرود" : أي ينشغل بها الرجال العقلاء ؛ إذ تبدأ المشكلة من شخص غير متزن (مقرود) كثير الكلام الباطل الذي يُحدِثُ الفتن والمشاكل بين الناس.
* "والبيت لا شِيِّد على كِذْبْ وجْحودْ ؛ مهما كِبِر يرجعْ على أصله خٓرٓابٓهٔ" : هذه من الحِكٓم العظيمة في الحياة الاجتماعية أيضا ؛ إذ إننا نشاهد هذه الأيام كثرة المحتالين ، والنصابين ، وعلى مختلف المستويات الاجتماعية ؛ فترى بعضهم يلبس أحسن الثياب وأجملها ، ويركب أفخم السيارات ، ويسكن أجمل العمارات ، وكل ذلك بالاحتيال والنصب ؛ يأكل أموال الناس والبنوك التجارية ، وفي النهاية ؛ فإن كل ما بُنِيٓ على باطل مِن كذب ، واحتيال على الآخرين ؛ نهايته ، ومصيره الخراب ، ومصيره أن يكشفه الآخرون ؛ لأن حِبال الكذب والخداع قصيرة ، وكذلك ؛ فإن نكران الجميل وجحود المعروف الذي يقدمه الكرام لأي شخص ، هو من أشد العيوب المذمومة.
* الرّٓدى : العيب .
* "شِفْ كٓمْ ذِيبٍٍ مايعقِّب ذْيابٓهْ " : كأنما يريد أن يقول :" إن النار تعقب رماد " ؛ فكثير من الرجال الكرماء الشجعان لم يتركوا خلفهم أبناء شجعانا كُرماء مثلهم.
*الجُودْ ما كِلٍ ترى يقدر الجُودْ .
وإلا الرّٓدى يا حْمُود مٓفتوحْ بابٓهْ" :
يقول الشاعر بأن الكرم والجود لا يقدر على فعله أكثر الناس ؛ فهذا يتطلب نٓفْسًا عزيزة لا تحسب حساب خسارة المال والتعب ، أما الرّٓدٓى: أي البخل ، والخِسّة فأبوابها مشرعة وناسها كثيرون.
* " ادْمٓحْ خطا مْساعِدْ على شانْ مسعود " : وهنا لا يقصد الشاعر أسماء أشخاص بعينهم ، لكنه يقول بأنه يسامح ، ويمسح خطأ فلان ؛ تكريمًا لفلان الذي له أفعال حميدة ، وكما نقول في أمثالنا الشعبية : " مشان عين تكرم مرج عيون ، أو تكرم مدينة " ؛ ويقصد الشاعر : التغاضي عن خطأ فلان ؛ لأجل فلان من الناس الذي لا يستحق أن نـُغضِبه ؛ فنصبر على أذى بعض الناس السيئين ؛ لأجل بعض أقاربهم الأٓخيار .
* " أٓصْبُرْ على العٓجّٓهْ بْرٓجْوٓى سٓحابٓهْ " : وهذه حكمة بليغة ؛ إذ إنه يصبر على عٓجٓاج التُراب المؤذي ؛ لأنه يرتجي أن يحظى بالمٓطٓر الذي ينفعه ، وهو يقصد الصبرٓ على أذى الآخرين الذي شبهه بعجة التراب وغباره ؛ لعل الخير يعقب صبره ، ويؤتي ثماره الطيبة بكسب محبة الناس .
* الفُود : الفائدة . والشاعر يقصد أنه مٓنْ لم يعشق السمعة الطيبة التي تخلده وتمجده ، فلن يكسب أية فائدة.
* الذي لا يطمح للمجد هو خِبْلٌ ؛ أي غير عاقل(أهبل) ، وثيابه هي التي تستره فقط ، فليس له أفعال تمجده كالتي تحدّٓث عن بعضها الشاعر ، وأوصى بها ؛ لتكون سببا في تحقيق المجد والسمعة الطيبة بين الناس.
* حٓمّٓايةٓ الذُّودْ : نحمى أرضنا وعِرضنا ، والمستجير بنا ، ونذود ، وندافع عنه بقوة .
* اسْهودْ ومْهُودْ ؛ (من أقوال أهل البادية) أي في أمن وأمان ، واستقرار ، بعدما كانت حروبا ، وأوضاعا صعبة .
الكاتب الباحث الاجتماعي الأردني د. بشار ابونصير المصاروة