بقيت الفظائع التي حدثت في الوحدة 731 التابعة للجيش الإمبراطوري الياباني، مخبأة لعقود من الزمن خلف الجدران العالية لتلك المنشأة، في شمال شرق الصين والتي تحمل الاسم الرمزي "إدارة الوقاية من الأوبئة وتنقية المياه" التابعة لجيش كوانتونغ.
وفي حين إن الوحدة، كانت معسكرًا حربيًا يابانيًا دخله آلاف السجناء، لكنهم لم يغادروه أبدًا.
في الداخل، تم إجراء تجارب بشرية سادية على السجناء لا يتخيلها عقل، وتمت معاملتهم كفئران تجارب لبعض جرائم الحرب الأكثر همجية في التاريخ، حيث قُتل رجال ونساء وأطفال أبرياء بأكثر الطرق وحشية، وتم تشريحهم أحياء، وحقنهم بفيروسات قاتلة، واغتصابهم واستخدامهم في التدريب على التصويب باستخدام قاذفات اللهب و"قنابل الطاعون".
ووفق تقرير نشرته صحيفة "ديلي ميل" فقد أشرف على كل هذه الجرائم الشنيعة الدكتور شيرو إيشي وهو جراح ذو شخصية كاريزمية وقومي متطرف، لقب بـ"دكتور الموت" لأنه يعتبر مهندس الفظائع التي تم ارتكابها ضمن الوحدة 731 في الحرب اليابانية الصينية الثانية والحرب العالمية الثانية.
أنشأ جراح الجيش إيشي تلك الوحدة عام 1936 لإجراء أبحاث في الحرب الجرثومية، وقدرات الأسلحة وحدود جسم الإنسان، وذلك بعد أن وصل إلى منشوريا في الصين الحديثة، بعد وقت قصير من وصول قوات الاحتلال الياباني إليها، ليبدأ العمل في بناء "إمبراطوريته للموت".
وجرى اختيار بلدة تدعى بينج فان، على بعد 15 ميلاً جنوب العاصمة الإقليمية هاربين، كموقع للوحدة 731، وفي البلدة المحيطة، ولم يسمح المحتلون اليابانيون بتشييد مباني عالية بما يكفي لرؤية العنف الدائر داخل الأسوار.
كما أن القطارات لا يمكنها المرور إلا وستائرها مسدلة؛ حيث كانت القوات اليابانية تُسقط أي طائرة تقترب أكثر من اللازم.
وبمجرد تشكيل الوحدة، بدأت الشرطة العسكرية في مطاردة الضحايا من أجل إجراء تجارب عليهم، وكان العديد منهم من المدنيين الصينيين إلى جانب بعض من أسرى الحرب روس وبريطانيين وأمريكيين.
وتم الحفاظ على صحة النزلاء عمدًا، وإطعامهم ضمن نظام غذائي يتكون من الأرز واللحوم والأسماك وحتى الكحول في بعض الأحيان، حتى تكون أجسادهم في حالة جيدة لبدء التجارب ضمن ما تمت تسميته "مصنع أوهام الدكتور إيشي المرضية".
واستخدم الدكتور هو وموظفوه أساليب مروعة لتأمين عينات من أعضاء معينة من أجل تجاربهم، ومن ذلك تشريح الأسرى وهم أحياء، وتقطيع أوصالهم، وإزالة أعضائهم ليقوم الجراحون بإعادة ربطها في غير مكانها لمعرفة تأثيرات ذلك.
وكانت تجارب الحرب الجرثومية أيضًا جزءًا أساسيًا من الوحدة 731، حيث قام إيشي ورجاله بتربية سلالات مميتة من الفيروسات للقضاء على السكان الصينيين، وتم إنشاء ما يكفي من الجراثيم لقتل كل شخص على وجه الأرض مرات عديدة.
ووفقًا للتقارير، تم إنتاج 300 كيلوغرام من بكتيريا الطاعون كل شهر، و500 كيلوغرام من الجمرة الخبيثة، وحوالي طن من الزحار والكوليرا.
كما تمت تغذية الأطفال على الشوكولاتة المخلوطة بالجمرة الخبيثة والبسكويت المصاب بالطاعون، في حين كان يتم إعطاء السجناء الأكبر سناً الزلابية والمشروبات الملوثة بالتيفوئيد.
وشهدت مذبحة أخرى إصابة رجال بمرض الزهري ثم إجبارهم على اغتصاب سجناء آخرين، وكان الهدف المعلن من ذلك هو التعذيب لمعرفة كيفية انتقال المرض، كما تم إجبار النساء على الحمل لاستخدامهن وأطفالهن في هذه التجارب.
وفي حين وُلِد الأطفال في الوحدة 731، فإن مئات السجناء الذين كانوا على قيد الحياة عندما استسلمت اليابان في نهاية الحرب قُتلوا ودُفنوا بينما حاول الجيش الإمبراطوري التغطية على جرائمه.
وبعد ثلاثة أيام من إلقاء القنبلة الذرية على مدينة ناغازاكي، صدرت أوامر للجنود بدفن العظام المحروقة للسجناء الذين تم قتلهم في محاولة لإخفاء جرائم الوحدة.
في أغسطس غزت القوات السوفييتية منشوريا، وتراجع موظفو الوحدة 731 إلى اليابان، ولم يكشف العديد منهم عن جرائمهم واستمروا في التمتع بحياة طبيعية نسبيًا.
ومن أكثر العناصر المثيرة للقلق هي ما خلفته العديد من هذه التجارب المروعة على المعرفة الطبية اليوم، إذ شكلت بعض البيانات التجريبية التي تم جمعها من الأشخاص الذين أجريت عليهم الاختبارات تقدماً في الفهم الطبي الحديث.
ويقال إن إيشي كان فخوراً باكتشافات الوحدة 731 إذ حققت له أكثر من 200 براءة اختراع.
وعندما تم الكشف أخيرا عن حجم الوحشية تلك، ساعد الأميركيون في التغطية على البرنامج مقابل الحصول على بعض بياناته، وبدل معاقبة إيشي على كل الألم والموت الذي ألحقه وأشرف عليه، عاش أيامه بسلام حتى مات بسرطان الحنجرة في عام 1959.