اتخذت الصين، باعتبارها من بين الدول التي تعاني من أشد حالات التصحر، تدابير عملية وفعالة للوقاية من التصحر ومكافحته، والتي بدأت تؤتي ثمارها في السنوات الأخيرة، وقدمت نموذجا للعالم في السعي وراء تحقيق التنمية الخضراء والمستدامة.
إنجازات كبيرة في منع التصحر
باعتبارها دولة نامية لديها مساحات كبيرة من الأراضي المتصحرة، تبذل الصين جهودا حثيثة في مكافحة التصحر. فمنذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، أطلقت الصين على نطاق واسع مشاريع للوقاية من التصحر ومكافحته، بما فيها مشروع "الحزام الغابي الواقي في المناطق الشمالية الثلاث"، إذ تقع المناطق المتصحرة بشكل رئيسي في شمال غربي وشمالي وشمال شرقي البلاد، بهدف إعادة تأهيل الأراضي المعرضة للتصحر والمناطق المتصحرة في المناطق الشمالية الثلاث وتخضيرها.
وعلى مدى السنوات الـ46 الماضية منذ إطلاقه في عام 1978، ارتفع معدل الغطاء الغابي في المناطق التي يشملها المشروع، والذي يعتبر الأكبر من نوعه في العالم ومن المقرر أن يكتمل بحلول عام 2050، من 5.05 في المائة إلى 13.84 في المائة.
وفي السنوات الأخيرة، حققت الصين إنجازات كبيرة في مجال التشجير. ففي عام 2023 وحده، زرعت البلاد 125 مليون مو (حوالي 8.33 مليون هكتار) من الأشجار والعشب، بينما عالجت 28.57 مليون مو من الأراضي المتصحرة، حسب بيانات رسمية أصدرتها الهيئة الوطنية للغابات والمراعي.
كما أظهرت بيانات صادرة عن وكالة ناسا الأمريكية أنه خلال الفترة ما بين عامي 2000 و2017، كان ربع المساحة الخضراء الجديدة في العالم مصدرها الصين، لتحتل بذلك المرتبة الأولى عالميا.
تدابير فعالة عبر الابتكار التكنولوجي
في السنوات الأخيرة، شهدت قدرات الصين على مكافحة التصحر تحسنا مستمرا، فقد ساعدت المعدات مثل آلات وضع حواجز الرمال، والتكنولوجيات مثل تحليل البيانات الضخمة والزراعة طفيفة التوغل والبذر الجوي بالطائرات المسيرة، علاوة على الدمج بين مكافحة التصحر وتوليد الطاقة الكهروضوئية، ساعدت في رفع كفاءة مكافحة التصحر بشكل كبير.
وعلى سبيل المثال، تعتبر مكافحة التصحر باستخدام الألواح الكهروضوئية مثيرة للإعجاب، فباستخدام الألواح الكهروضوئية وتغطية الأرض بحواجز الرمال النباتية، يمكن حجب أشعة الشمس المباشرة، وبالتالي تقليل التبخر السطحي والحفاظ على رطوبة التربة إلى أقصى حد ممكن.
وفي مدينة وووي بمقاطعة قانسو في شمال غربي الصين، على حافة صحراء تنغر، تم استكشاف مشروع يدمج بين توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية باستخدام الألواح الكهروضوئية وزراعة النباتات المقاومة للجفاف تحت تلك الألواح، بما يحقق فوائد مزدوجة من إنتاج الطاقة النظيفة والحد من التصحر.
وبعد الانتهاء من بناء وتشغيل المشروع، من المتوقع أن يصل متوسط حجم توليد الكهرباء إلى أكثر من 400 مليون كيلوواط ساعي، مما يوفر حوالي 123.5 ألف طن من الفحم القياسي ويقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 371.5 ألف طن.
تقاسم الخبرات على الصعيد العالمي
لقد ضخت تجربة الصين الناجحة زخما جديدا في منع التصحر ومكافحته على الصعيد العالمي.
على سبيل المثال، استقبلت مقاطعة قانسو، منذ عام 2016، مسؤولين حكوميين وفنيين من 26 دولة، بما في ذلك الأردن ونيجيريا وبوتسوانا ومصر، للمشاركة في فعاليات تبادل دولية حول منع التصحر ومكافحته والتعرف على تجربة الصين في هذا المجال.
من إطلاق المركز الصيني-العربي الدولي لبحوث الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي في منطقة منغوليا الداخلية إلى تنظيم دورة تدريبية بشأن بناء "السور العظيم الأخضر" في إفريقيا بمنطقة شينجيانغ، ودورة تدريبية لمنع التصحر ومكافحته في الدول العربية في منطقة نينغشيا... من خلال تنظيم التدريبات الدولية، وإنشاء قواعد نموذجية لمكافحة التصحر، وبناء منصات التبادل، تتعاون الصين بنشاط مع المجتمع الدولي في مجال منع التصحر ومكافحته، وتقوم بتدريب ما يقرب من مائة من الأكفاء العاملين في مجال مكافحة التصحر في البلدان النامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية كل عام.
وأكد مجدي علام، أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب، أن الجهود المتواصلة التي بذلتها الصين للسيطرة على التصحر على مر السنين تعد قوة دافعة للتنمية الخضراء في العالم، خاصة في الدول الإفريقية، قائلا "تحويل الصحاري في الصين إلى غابات يعد مصدر إلهام للدول الإفريقية التي تعاني من تدهور الأراضي".