سعت دولة الاحتلال منذ بداية الحرب الهمجية على قطاع غزة، إلى محاولة استبدال الهزيمة التي مًنيت بها في السابع من أكتوبر سياسياً وعسكرياً، بصورة نصرٍ تعيدُ قوتها وثقتها إلى الإسرائيليين، وما لبث هذا الأمر أن أصبح "مستحيلاً" ضمن قناعاتٍ عديدة لدى قيادات عسكرية وسياسية إسرائيلية أجمعت على أن تل أبيب لن تحصل على صورة النصر بحربها على غزة حتى لو دمرتها عن بكرة أبيها.
ولكن حتى هذا اليوم يبقى نتنياهو يؤكد أنه ماضٍ في حربه على غزة ومصمم على القضاء على حماس، باعتبار ذلك خطوة ضرورية لضمان خلو غزة من أي جهة تهدد "الدولة العبرية" في اليوم التالي للحرب، وفقا لقوله.
نتنياهو يجري جولة ميدانية في رفح ومنطقة فيلادلفيا
وكما في كل مرة ما زال نتنياهو يعرقل مسار التفاوض في الوصولٍ إلى صفقةٍ تًفضي بوقف الحرب على غزة واستعادة الرهائن، على الرغم من الضغوطات الدولية والإقليمية عليه، والاحتجاجات اليومية التي تشتد في "تل أبيب" للمطالبة باستعادة الرهائن وإسقاط الحكومة الحالية.
واليوم ومن داخل رفح جنوب قطاع غزة، يجلس بنيامين نتنياهو على كرسي وصفه العديد من المراقبين بـ"كرسي الهزيمة"، من داخل المدينة التي راهن على تحقيق النصر فيها.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن نتنياهو أجرى جولة تفقدية ميدانية في رفح ومنطقة فيلادلفيا، قبل ساعات فقط من مناقشة أخرى لصفقة التبادل يقوم بها "مجلس الحرب الإسرائيلي" بمشاركة أعضاء فريق التفاوض وعناصر في المنظومة الأمنية.
وقد صرح نتنياهو أمس الأربعاء خلال جلسة لمجلس الوزراء أنّ "تل أبيب" يجب ألا تتخلى عن محور فيلادلفيا، وأن حكومته لن تنسحب منه.
بن غفير .. يقتحم باحات الأقصى
وجاءت زيارة نتنياهو المفاجئة لقطاع غزة بعد ساعات من اقتحام وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير باحات المسجد الأقصى بمدينة القدس الشرقية بالتزامن مع تمرير الكنيست قرارا يرفض إقامة دولة فلسطينية، ما أثار إدانات إقليمية.
وخلال اقتحامه باحات الأقصى، قال بن غفير إن "إعادة المختطفين يجب أن تتم عبر زيادة الضغط العسكري على حماس"، مضيفا "صعدت إلى جبل الهيكل من أجل عودة المختطفين دون صفقة غير شرعية"
نتنياهو يعيش في وهم وعصر الانتصارات القديمة ..
ويرى المختص بالشأن الإسرائيلي د. خالد معالي بأن النصر الذي يتحدث عنه بنيامين نتنياهو، هو ما درجت عليه دولة الاحتلال طوال 75 عاماً، لكن في السابع من أكتوبر قد انقلب السحر على الساحر، ونتنياهو اليوم أمام معادلة صعبة، حيث إن ذهب باتجاه عقد صفقة مع حركة حماس، فهو يقدم هديةً للرئيس الأمريكي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية وصفعة لترامب كما قال بن غفير.
ويمضي معالي في حديثه قائلا: "نتنياهو بات يعيش في عصر الانتصارات القديمة ولا يريد أن يفهم أن الزمن تغير، ووضع جيشه لا يسمح باستمرارية الحرب، لكنه لا يمكنه وقفها، لأنه في اليوم التالي للحرب ستتم محاسبته وإعادة التقييم لدى جيش الاحتلال عما جرى في 7 أكتوبر، وبالتالي كل هذا لا يصب في صالحه، فهو يرى أن أسلم الحلول حاليا هو المضي قدما في الحرب والمماطلة والتسويف عله يجد صورة نصر أو إنجاز هنا أو هناك، أو لعل الحاضنة الشعبية تتفكك في قطاع غزة وتنقلب على المقاومة كما يخطط، وكل ذلك لم يتحقق طوال عشرة أشهر، ولن يستطيع نتنياهو أن يتحمل الضغوط التي تمارس عليه إلى الأبد.
ويتسائل د. معالي خلال حديثه بقوله "أين هو النصر المطلق الذي تتحدث عنه حكومة الاحتلال، حيث لا يوجد مقاومة تستسلم، ولا قواعد عسكرية تم احتلالها، ولا مطارات ولا موانئ، وبقيت المقاومة تحت الأرض لا تظهر إلا في الكمائن فقط".
ويختتم معالي حديثه بالإشارة إلى ما حذر منه محللون عسكريون بأن دخول الجيش تحت أي ظرف لقطاع غزة يعني أنه في مستنقع، وقد تكون هناك هزيمة استراتيجية له، بالتالي هذا ما يحصل بالضبط، حيث لا يوجد بيد نتنياهو ورقة رابحة سوى استهداف المدنيين والمجازر، للضغط على المقاومة للرضوخ لشروطه.
ويوافق د. معالي، المحلل السياسي د. أسعد العويوي بقوله "قادة الاحتلال على المستوى العسكري والأمني قد وصلوا لنتيجة مفادها أنه لا يمكن القضاء على حماس وقدراتها العسكرية، وأن بنك أهداف الاحتلال يتمثل باستهداف خيم اللاجئين والأطفال والنساء والشيوخ، حيث تغيب الأهداف الحقيقية للحرب، عدا عن الخسائر التي يتكبدها الاحتلال في قطاع غزة، إضافة إلى المأزق في شمال فلسطين المحتلة والبحر الأحمر من جبهات المقاومة المشتعلة هناك.
ويؤكد العويوي أن اسرائيل تستغل ضعف الإدارة الأمريكية لإطالة أمد الحرب، حيث الرئيس الأمريكي جو بايدن لا يقوى على اتخاذ القرارات المصيرية بشأن هذه الحرب وإدارته ملتصقة بما يريده نتنياهو وهذا مايستغله الأخير لإطالة أمده الحرب ظناً منه أنه يمكن تحقيق أهداف عسكرية.
نتنياهو يلقي خطابا أمام الكونغرس في 24 يوليو المقبل
ومن المقرر أن يلقي رئيس رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو خطابا أمام الكونغرس الأميركي بمجلسيه في 24 يوليو/تموز المقبل، وفقا لما أعلنه زعيما الحزب الجمهوري في مجلسي النواب والشيوخ.
وتأتي زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة وسط ضغوط متزايدة على إسرائيل، للتوصل إلى اتفاق ينهي العدوان الإسرائيلي على قطاع غرة، والذي تسبب في عزلة دبلوماسية متزايدة لإسرائيل، بسبب ارتفاع حصيلة الضحايا في القطاع.
نتنياهو وخطابه أمام الكونغرس .. تحميل الولايات المتحدة مسؤولية عدم تحقيق النصر المطلق في غزة
ويذهب المحلل السياسي د. أشرف العكة إلى الاعتقاد بأن خطاب بايدن أمام الكونغرس سيكون بمثابة تحميل إدارة بايدن المسؤولية لعدم إعطاء إسرائيل الفرصة الكاملة من أجل تحقيق النصر المطلق في غزة، وفشل الإدارة الأمريكية في التعامل مع النفوذ الإيراني في المنطقة.
ويتابع العكة حديثه "وأضف إلى ذلك، قد تكون رسالة ما لدعم ترامب مقابل بايدن، وكسب عطف الأمريكيين اليهود في الحرب الوجودية والكونية التي تخوضها إسرائيل، وهذا ما جعل الإسرائيليون يطالبون بضرورة إتمام الصفقة وتأجيل الذهاب لواشنطن، لأنهم يدركون أن مضمون خطاب نتنياهو لن يكون سوى "لثرثرة".
وتشن إسرائيل حرباً على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر، وهي من أطول الحروب التي تخوضها، وألحقت بها خسائر جمة، حيث وبحسب بيانات جيش الاحتلال الأخيرة فقد بلغت حصيلة قتلاه منذ بداية الحرب 682 قتيلا، بينهم 326 ضابطا وجنديا.
وقال الجيش إن الحرب أثبتت أن إسرائيل بحاجة إلى جيش كبير، وإن حجم الخسائر والحاجة لبناء القوة يتطلبان زيادة عدد القوات النظامية والاحتياط.