أنا ونواف العجارمة من نفس الجيل , وقد درسنا سويا في الجامعة الأردنية وتخرجنا سويا ...لم يسجل في تاريخ نواف أنه تغيب عن محاضرة , وأنا لم يسجل في تاريخي أني وصلت للمحاضرة في موعدها ..هو كان يأتي مثقلا بالكتب والدفاتر وأنا كنت أحضر (مصيف) لا كتاب ولا دفتر سوى علبة السجائر والولاعه فقط .
كنت دوما (أعج) الصوت في ممرات الكلية : (نواااف) .. للإسم هيبة ووقار ..حين تلفظه تتذكر حبيب الزيودي في قصيدة : (والبارحة وانا بطريق معان عرضت يم البدو تعريض ..والشيب ما روضك يا فلان ..) ..سمرة نواف وملامحه (العجرمية) ووجه الجميل الذي يشبه تضاريس البلد , ويشبه الحب الذي يندلع على خجل من الأسوار ..يجعل الاسم يليق به , تخيلوا مثلا لو غيرنا اسم نواف وأطلقنا عليه (داني) ...؟
أنا أكملت البكالوريس ( دفش ) ونواف ظل متعلقا بالجامعة الأردنية , لم يترك بواباتها حتى أنهى الدكتوراة بتفوق ...ووصل لمرتبة أمين عام وزارة التربية والتعليم بقوى الدفع الذاتي , وبما يمتلك من وعي وخبرة ..وبما أضاف من لمسات على التطوير والتحديث في الوزارة , ظل متمسكا بالأبحاث والدراسة ..لم يترك مؤتمرا , ولا كتابا في تحديث المناهج ..ولا ورقة عمل إلا وخزنها في عقله .
وكلما زرته في مكتبه , نعود للثلاثين عاما التي مضت من عمرنا , ونتذكر حين كنا (أغرارا) في مرتبات الجامعة الأردنية , نعود للعشق الذي اندلع على حواف المكتبة ..وللمسيرات التي كنا نشارك فيها ولا نعرف غايتها ,ولمطعم الجامعة والوجبة الساخنة الشهية , وللبنت التي تأخرت عن محاضرتها فوبخها الدكتور ..وانتصرنا لها , منذ أن خلقنا ونحن نؤمن أن احترام الجدائل يشبه احترام السطور في كتب الأدب العربي , ونؤمن أن الرموش الأردنية أجمل من عناوين كل قصائد أحمد شوقي .
نواف كان الأفضل في جيلنا , وقدم الخلق العجرمي كما يجب , والأهم من كل ذلك أنه قدم بصمة في وزارة التربية , جعلته يحظى بتقدير الجميع ...أنا لا أكتب عن مسؤول في الدولة , بقدر ما أكتب عن رفيق وأخ ...أعرفه منذ أكثر من (30) عاما والذي تغير هو أنه بقي على خط العمر مثابرا ووطنيا ..ونحن احترفنا الجنون .
نواف ...هوية , لا تتغير ولا تتبدل .....ولا تمحى , ولا تستعار ...