نابلس، واحدة من أقدم مدن العالم، تعود بتاريخها إلى 5600 سنة، وتعتبر من أكبر المدن الفلسطينية سكانًا وأهميةً. تقع في قلب شمال الضفة الغربية، وتشهد حضارة متجذرة منذ العصور القديمة. فتحها العرب المسلمون في عهد أبي بكر الصديق، وتغير اسمها من نيابوليس إلى نابلس.
تشتهر المدينة بألقاب عديدة مثل "جبل النار" و"دمشق الصغرى"، وتتمتع بموقع استراتيجي بين المرتفعات الجبلية الفلسطينية. نابلس ليست فقط مدينة ذات طابع تاريخي، بل هي أيضًا مركز اقتصادي وصناعي مهم، تشتهر بصناعات الجلود والنسيج والصابون النابلسي المصنوع من زيت الزيتون.
وفي مجال الحلويات، يتصدر الكنافة النابلسية المشهد، حيث دخلت المدينة موسوعة غينيس بأكبر طبق كنافة. نابلس تجمع بين عراقة الماضي وإشراق المستقبل، محتفظة بتقاليدها ومنتجاتها الزراعية المميزة مثل الزعتر النابلسي، الذي يشكل جزءًا من هويتها الثقافية.
معالمها الأثرية العديدة مثل برج الساعة وقصر النمر تروي قصص الحضارات التي مرت على هذه المدينة. نابلس اليوم هي "قصر في بستان"، كما وصفها شيخ الربوة الدمشقي، مدينة لا تزال تسحر زوارها بجمالها الطبيعي وحضارتها العريقة.
تعد نابلس مدينة نابضة بالحياة، ليس فقط بما تزخر به من آثار تاريخية، بل أيضًا بما تشهده من حركة ثقافية وعلمية. فهي مركز تعليم رائد، تحتضن أكبر الجامعات الفلسطينية مثل جامعة النجاح الوطنية التي أسهمت في تنمية الفكر والعلم في المنطقة. تُعرف نابلس أيضًا بلقب "عش العلماء" لما أخرجته من شخصيات فكرية وأدبية بارزة، مثل الشاعر إبراهيم طوقان، الذي يعتبر من أهم أعلام الأدب الفلسطيني.
في الجانب الاقتصادي، نابلس تعد مركزًا حيويًا للصناعات التقليدية والمعاصرة. إلى جانب صناعة الصابون الشهيرة، تبرز صناعات أخرى مثل النسيج والكيماويات والمعادن، مما يجعلها قطبًا صناعيًا هامًا في فلسطين. تلك الصناعات تُشكل جزءًا من الهوية الاقتصادية للمدينة، حيث تعمل الأيدي النابلسية الماهرة على تطويرها والحفاظ عليها عبر الأجيال.
الطبيعة الجغرافية للمدينة تضفي على نابلس طابعًا مميزًا، فهي محاطة بالتلال والجبال التي تغذي المدينة بمناخ معتدل وأرض خصبة تشتهر بزراعة الأعشاب الطبية مثل البابونج والميرمية. هذه المنتجات الزراعية لم تعد مجرد مصدر دخل لأهالي نابلس، بل أصبحت جزءًا من تراثهم الشعبي الذي يمتزج بعمق مع حياتهم اليومية.
ومن جانب آخر، نابلس لم تنفصل عن النضال الفلسطيني. فقد كانت وما تزال محورًا للصمود والمقاومة ضد الاحتلال، وتعتبر رمزًا للفخر الوطني الفلسطيني. رغم ما مرت به من تحديات على مر العصور، حافظت نابلس على مكانتها كـ "ملكة فلسطين غير المتوجة"، مدينة تجمع بين الحاضر والماضي، تأبى الانكسار وتواصل المسير نحو مستقبل أكثر إشراقًا.
نابلس، المدينة التي ترتقي بتراثها وثقافتها لتكون عنوانًا للفخر والاعتزاز، تظل في قلب فلسطين، قصرًا شامخًا في بستان التاريخ والجمال.