اتخذت الحروب أشكالا مختلفة في زمننا المعاصر، منذ أن حارب البشر الأوائل باستخدام الحجارة إلى عصر الحرب الباردة، كان مقياس انتصار أي بلد هو مدى احتلاله وقوّته العسكرية.
مع مرور الوقت، فرضت متغيرات جديدة نفسها على الحروب، تجسدت في حدوث تغيرات في النهج تحولت الى ما يشبه بالحروب السرية المُدمّرة، لم يعد من الممكن أن يخلق تدمير أو قتل عدد قليل من جنود العدو ردعًا، لأن هذا القرن هو قرن حروب المعلومات.
في عالم اليوم، ومع التقدم التكنولوجي اليومي، جلبت أدوات الاتصال للإنسان العديد من القدرات، ومن ناحية أخرى، أصبحت أدوات المراقبة قوية للغاية، يمكن لوكالات المراقبة الحكومية الآن مراقبة مواطنيها بعناية كبيرة ومنعهم من إلحاق اي ضرر بالحكومة.
في هذه الحالة، تكون اليد العليا لشخص يمكنه إنتاج واستخدام أدوات اتصال أكثر تقدمًا والتصرف بطريقة تظل مخفية عن أدوات المراقبة.
ومن الواضح أن صعوبة وسهولة مراقبة دولة ما تعتمد على عوامل مختلفة مثل المنطقة الجغرافية وعدد المواطنين وأجهزة المراقبة المتقدمة، حيث أنه كلما صغر حجم الدولة وقل عدد مواطنيها، أصبح من الأسهل القيام بمراقبتها، وكلما كانت الأدوات التي تستخدمها أكثر تقدما وحداثة، زادت قدرتها على مراقبة الجرائم المحتملة والتعامل معها.
إلاّ أن مفاجآت الحرب الإيرانية الإسرائيلية فتحت صفحة جديدة في المعادلة الدولية العالمية، ذلك لأن أحدث التقنيات المستخدمة في هذه الحرب مذهلة، ورغم أن مساحة إسرائيل أصغر بكثير من مساحة إيران، وأن إجمالي عدد مواطنيها يعادل مساحة مدينة إيرانية، إلا أن إسرائيل تلقت ضربات استخباراتية ثقيلة من إيران.
تم تفنيد مزاعم إسرائيل حول إمتلاكها معدات المراقبة المتقدمة والذكية مرة أخرى، وجاء ذلك بعد اكتشاف شبكة التجسس الإيرانية في إسرائيل.
إذ يمتد تاريخ التجسس في إسرائيل لسنوات عديدة، حيث تم اكتشاف جواسيس مهمين في إسرائيل، مما يدل على القوة الاستراتيجية العالية لإيران، وقبل ذلك كان وزير الطاقة الإسرائيلي من بين الجواسيس الذين اعتقلتهم الحكومة الإسرائيلية واعترف أنه حصل خلال زيارته إلى إيران على أجهزة اتصال تمكن من استخدامها لنقل معلومات مهمة، كما يقوم بعضها بكشف مجريات اروقة السياسة الاسرائيلية إلى الجانب الإيراني.
كما جرى مؤخراً اكتشاف حالات أخرى من هذا القبيل، مما أدى إلى التشكيك أيضًا في المستوى الأمني المزعوم في الاراضي المحتلة، بالإضافة إلى استجواب الشاباك، تم القبض مؤخرًا على اثنين من الجواسيس وكانا من أفراد الجيش وقاموا بتوفير الإمدادات اللازمة لاغتيال غالانت.
وفي حادثة جديدة، تم اكتشاف شبكة تجسس هذه المرة، مكونة من سبعة أعضاء إسرائيليين، وتعمل هذه الشبكة لصالح إيران منذ أكثر من عامين.
وبحسب المدعي العام الإسرائيلي، فإن هؤلاء المشتبه بهم قاموا حتى الآن بنقل معلومات حساسة للغاية إلى إيران، وكانت إحدى مهامهم تصوير القواعد العسكرية والمراكز الأمنية، وتمكنوا من تنفيذ أكثر من 600 عملية لصالح إيران.
يشار إلى أنه لا العدد الكبير لشبكة التجسس هذه، ولا نشاطها الطويل، ولا حتى رحلاتها المتكررة إلى تركيا للقاء العملاء الإيرانيين، أدت إلى اكتشاف شبكة التجسس هذه؛ بل تم اعتقال شرطة المدينة الإسرائيلية عندما كان يفغيني أوفا -أحد أعضاء شبكة التجسس هذه- يصور مكان غالانت، وبعد استجواب مكثف اعترف بأنه كان يتجسس مقابل تلقي أموال من إيران.
والآن يجب عليه المثول أمام المحكمة مع عزيز نيسانوف وألكسندر سيديكوف وإيغال ونيسان وفيشاسلاف غوشين وعضوين آخرين في هذا الفريق، ولم يتم الكشف عن أسمائهم، وبحسب المعلومات المهمة التي قدمتها هذه المجموعة لإيران، فإن لائحة الاتهام الموجهة إليهم بشأن سلسلة الخروقات الأمنية تعتبر خطيرة.