صدر للكاتبة السورية "معاني سليمان” رواية "أسرار المدينة” عن دار الرضا للطباعة والنشر والتوزيع، وتتكوّن الرواية من 116 صفحة .
عندما بدأت قراءتي لهذه الرواية القصيرة، لفت نظري رقة اللغة المستخدمة، كلماتٌ حية نابضة، تنساب من عبير الحرف إلى شغاف القلب بسهولة ويسر، وجُملٌ بسيطة لا تعقيد فيها ولا ركاكة أيضًا؛ الإسميّة منها والفعلية، وسردٌ يرصف للقارئ الطريق ويستقبله فاتحًا له قلبه مرحبا؛ لعمري! إنها الألفة المتولدة بعفوية بين الكاتب والمتلقّي، وإنها الحميمية التي جدلت سطور الرواية وعين القارئ ليكونا نسيجًا متصلا؛ لا تدري أأنت الكاتب أم أنت المتصفّح شديد الشغف بمواصلة القراءة؟
لا تدري أأنت تقرأ من خارج الكادر المشهدي، أم أنت أحد صانعيه؟! متفاعلًا ومتعايشًا معه كأحد شخوصه…إنها البراعة السردية! سرديّة عفوية تلقائية نابعة من القلب فتجد طريقها إلى قلوب القراء بيسر وحب.
أسرار المدينة؛ رحلة عبر الزمن، تضعنا الروائية المبدعة "معاني سليمان” في كابينة مركبتها الفضائية لتعبر بنا بقيادتها الحكيمة عبر قرن زمني إبحارًا في عكس اتّجاه عقارب الساعة، ومن ثم تهبط بنا في نهايات القرن الماضي؛ قبل خمسين سنة من الحاضر الآني، وتتجول بنا – في سيارتها الخاصة التي كانت في انتظارنا على ممرّ الطائرات – لتُرينا معالم مدينة الإسكندرية القديمة وشواطئها الممتدة على ضفاف البحر المتوسط، فنرى على البعد فندقها الأشهر "ميرامار”، ثم لا نلبث أن ندخله فنتجوّل في ردهاته ونقيم ليالينا في غرفه، ومنه تصحبنا إلى أمسيات الأدب والطرب مع نجوم تلك الحقبة الزمنية من فنّاني ذلك العصر وخيرة أدبائه أمثال توفيق الحكيم ونزار، ونتوقف كثيرا مع معجزة عصره الأديب الكبير الحائز على جائزة نوبل للأدب نجيب محفوظ، الذي تُبتنى عليه عقدة الرواية وحبكتها، فننتقل مع مريم وخطيبها محمد من أحاديث الثقافة والطرب إلى ساحة التشويق والمغامرات.
مريم، امرأة ناضجة تعيش لابنتها أمل وبقلب ابنتها أمل، تصرّ الأحلام على مداهمتها كل ليلة، كما يصرّ سعيد؛ زوجها المنفصل عنها على مطاردتها، لتستقر الأحلام وتنحصر في حلمٍ واحد يتكرر ويتكرر ويتكرر، فتشعر بروحٍ تناديها أن أنقذيني، فتهبّ لنجدتها.
محمد ابن الإسكندرية البار المحبّ لوطنه ولتاريخ وطنه؛ يقع في حب مريم، ويتمناها زوجة له ورفيقة عمر، ولم لا وهي الطيف الذي يساكن أحلامه كلما غفا أو نام، يستيقظ فلا يجد لطيفها أثرا! ولكن القدر عندما يريد لا راد له، فتجمعه الصدفة البحتة مع مريم، ويشاء القدر أيضا أن يلتقيا بعدما كانا مجرد طيفان يتبادلان الرسائل، تجمعهما مدينة الإسكندرية، وفندقها الأشهر وعقدة الرواية..
رواية شيّقة يتضافر التشويق فيها مع بساطة السّرد والتدفق السردي المتسارع صعودًا منذ البداية إلى النهاية.
وكما يُقال أقول: "جميلٌ أن نتعايش مع الواقع ومن ثم تعبر عنه أقلامنا الأدبية، ولكن الأجمل أن نتخيّل الواقع ونصوّره بمخيلتنا نحن لا كما تراه أعيننا، ومن ثم ترسمه أقلامنا حروفًا وكلمات ومشاهد تنبض الحياة فيها ومنها”.
وهذا حرفيًا ما قدمته لنا الأديبة السورية الروائية "معاني سليمان”؛ لوحةً تعبيرية عن واقعٍ متخيل… فكانت "أسرار المدينة”.