الخرطوم : لم يكن بروفيسور شارلي بونيه مجرد عالم آثار أوروبي يسعى إلى دراسة حضارة نوبية أو استكشاف أطلال التاريخ السوداني. بل كان رجلاً كرّس نصف قرن من حياته في صمت، بين الرمال والآثار، ليكشف أسرار حضارة لطالما ظُلمت تحت وطأة التاريخ الفرعوني المصري.
الرحلة إلى السودان: شغف لا ينتهي
بدأت رحلة بونيه في شمال السودان، حيث تأمله في البيوت الطينية والبساطة العريقة التي تحمل بين طياتها تاريخاً عريقاً. يقول بونيه: "جئت إلى السودان لأنني أحببتها، ولأنني رأيت فيها تاريخاً غير مكتشف. كيف للمرء أن يتجاهل هذا الغنى الثقافي؟"
وخلال رحلاته، درس بونيه المعابد والآثار، خاصة تلك التي تعود للأسرة الثامنة عشرة الفرعونية. إحدى أهم اكتشافاته كانت آباراً ثلاثية أثارت دهشته، حيث وجد تماثيل ملوك الأسرة الخامسة والعشرين مدفونة بطريقة غريبة، ووجوهها مكسّرة بعناية.
حضارة النوبة: استثنائية مستقلة
عند سؤاله عن علاقة الحضارة النوبية بالتاريخ الفرعوني المصري، يجيب بونيه: "تاريخ السودان ليس تابعاً، بل هو مستقل ومميز. حضارة النوبة هي مصدر إلهام للعالم بأسره، وهي تعكس قوة شعب عاش في تناغم مع بيئته."
بونيه يرى أن السودان ليس مجرد امتداد لأفريقيا، بل هو مركز حضاري فريد، له تاريخ غني يمتد لآلاف السنين، يكتنز بين طياته قصصاً عن ملوك عظام مثل تهارقة الذي خلد اسمه في التاريخ.
أهم الاكتشافات: بوابة التاريخ
اكتشف بونيه واحدة من أضخم البوابات الأثرية في العالم بطول مائة متر، بالإضافة إلى منطقة "الدفوف الغربية"، التي تعد تحفة معمارية مذهلة. "كل حجر هنا يحمل قصة، وكل تمثال يروي فصلاً من تاريخ السودان العظيم"، يقول بونيه.
إرث علمي وسودانٌ في القلب
اليوم، وبعد خمسين عاماً، لا يزال بونيه يرى السودان كبيته الأول. يقول: "صحة جيدة، أصدقاء رائعون، وشغف لا ينتهي بالحضارة النوبية. لقد أعطاني السودان أكثر مما كنت أحلم."
يعد شارلي بونيه اليوم رمزاً في الدراسات الأثرية السودانية، واسمه مرتبط بكل ما هو استثنائي في حضارة النوبة. هذه السنوات الطويلة من البحث تؤكد أن السودان ليس فقط موطناً للآثار، بل منبعاً للدهشة والإلهام.