يُعدّ نشأت سلايطة أحد أبرز الأصوات التي شكّلت هوية الإذاعة الأردنية في عقودها الذهبية، فقد كان مذيعًا رصينًا وإعلاميًا ملتزمًا جمع بين الاحتراف والإنسانية، وبين الثقافة العالية وحضور الصوت الآسر الذي رافق أجيالًا من المستمعين في الأردن والوطن العربي.
وُلد نشأت سلايطة في شهر تموز عام 1948 في مدينة مأدبا، المدينة التي ظلّت حاضرة في وجدانه طيلة حياته. تلقّى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدرسة البطريركية اللاتينية في مأدبا، ثم واصل دراسته الثانوية في الكلية البطريركية الوطنية في عمّان، قبل أن يلتحق بـ كلية العروب الزراعية في الضفة الغربية، حيث حصل على دبلوم الإرشاد الزراعي.
منذ بداياته في الإذاعة الأردنية، عُرف نشأت سلايطة بانضباطه ومهنيته العالية، وكان يعتقد أن العمل الإذاعي ليس وظيفة، بل رسالة ومسؤولية تجاه الناس والوطن. امتاز بصوته العميق الواضح ونبرته الدافئة التي تجمع بين الهيبة واللطف، فحاز إعجاب المستمعين واحترام زملائه على حد سواء.
لم يكن يكتفي بالتحضير أثناء ساعات العمل؛ بل كان يمارس التدريب يوميًا على قراءة الأخبار والإلقاء حتى خارج الاستوديو، حريصًا على انتقاء الكلمة وضبط الإيقاع وتجويد النطق، مؤمنًا بأن المستمع يستحق دائمًا الأفضل. كان يحضر قبل البث بوقت طويل، يجلس بهدوء مع النص بين يديه، يقرأه مرارًا ويتأمل معانيه، في أداءٍ أقرب إلى الطقس المهني المقدّس.
جمع سلايطة في حضوره الإذاعي بين الأناقة والبساطة، فكان نموذجًا للمذيع الذي يُشعر المستمع بأنه يخاطبه شخصيًا. وقد اتّسمت شخصيته بالتواضع والالتزام، فلم يسعَ يومًا إلى الأضواء، بل جعل من صوته بوابةً للأمل والثقة والاحترام المتبادل بين الإعلامي والجمهور.
أحبّ زملاؤه إرشاده للمذيعين الجدد وتشجيعه لهم على الالتزام بالمهنية واحترام الكلمة. كان يقول لهم دائمًا إن التميز الحقيقي لا يُقاس بعدد البرامج، بل بمدى احترامك للمستمع وحبك لما تقدمه.
تميّز سلايطة بقدرته على تقديم النصوص الوطنية والقصائد الشعرية بصوت يحمل الإحساس والمعنى، فقرأ أعمال كبار الأدباء والشعراء الأردنيين، منهم:
سليمان المشيني، حيدر محمود، عز الدين المناصرة وغيرهم، مضفيًا على كلماتهم نكهة خاصة من الصدق والعاطفة.
وقدّم إلى جانب نشرات الأخبار عددًا من البرامج الثقافية والاجتماعية، غير أن البرنامج الذي رسّخ مكانته في وجدان الناس كان "رسائل شوق"، الذي أُسند إليه مع المذيعة الراحلة كوثر النشاشيبي. هذا البرنامج حمل طابعًا إنسانيًا نبيلًا، إذ شكّل جسرًا من المحبة والتواصل بين أبناء الشعبين في الضفتين الشرقية والغربية، الذين فرّقهم الاحتلال وجمعتهم المحبة وصوت الإذاعة.
في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، أصبح صوته رفيقًا يوميًا للأردنيين في بيوتهم ومقاهيهم، وانتشر صداه في الأقطار العربية المجاورة، فكان أحد الأصوات التي تعبّر عن صورة الأردن المشرقة في محيطه العربي.
في بدايات الثمانينيات، انتقل نشأت سلايطة إلى دولة قطر للعمل في إذاعتها وتلفزيونها، حيث أمضى هناك واحدًا وعشرين عامًا قدّم خلالها مئات البرامج الوثائقية والثقافية والاجتماعية، إضافة إلى نشرات الأخبار. كان خلال تلك السنوات وجهًا مشرّفًا للإعلام الأردني في الخارج، ومثالًا على كفاءة الكوادر الأردنية التي أسهمت في تطوير الإعلام العربي عامةً، والخليجي على وجه الخصوص.
لقد مثّل سلايطة جيلًا من الإعلاميين الأردنيين الذين حملوا مهنيتهم العالية إلى العالم العربي، وأسهموا في بناء مؤسسات إعلامية متقدمة بروحهم وانضباطهم ومصداقيتهم.
بعد مسيرة مهنية امتدت لعقود، عاد نشأت سلايطة إلى مدينته مأدبا التي أحبها صغيرًا وكبيرًا، ليعيش فيها بهدوء مع زوجته راكيل وأولاده شادي، ديالا، نيفين، وجيانا. في بيته المتواضع الدافئ، يعيش اليوم حياةً هادئة بعيدة عن ضجيج السياسة والحروب، مستمتعًا بصفاء المدينة وأصالة ناسها، حاملاً في ذاكرته رحلة عمرٍ حافلةٍ بالعطاء والإنسانية.
سيبقى نشأت سلايطة أحد أبرز رموز الإذاعة الأردنية، صوتًا صادقًا حمل الكلمة بمسؤولية، وعبّر عن إنسانية الإعلام بمعناها العميق. كان حضوره على الأثير أكثر من مهنة، كان عهدًا بينه وبين الجمهور، وعلامةً من علامات الزمن الجميل في الإعلام العربي.