لم تعد الشكوك حبيسة الغرف السياسية المغلقة، بل أصبحت قناعةً عالميةً تتجذر يومًا بعد يوم: بنيامين نتنياهو لم يعد موضع ثقة، ولا إسرائيل بقيت حليفًا يمكن الاعتماد عليه.
من واشنطن إلى بروكسل، ومن الأمم المتحدة إلى الشارع العربي والغربي على حد سواء، تآكلت صورة إسرائيل كدولة "ديمقراطية” في الشرق الأوسط، وتبددت ثقة العالم بقيادتها التي تتعامل مع القانون الدولي بازدراءٍ واضح.
نتنياهو من سياسي إلى عبء دولي
منذ عودته إلى رئاسة الحكومة، لم يحمل نتنياهو لإسرائيل سوى الأزمات. ملفات فساد تطارده في المحاكم، ومجتمع منقسم في الداخل، ومجازر في غزة أحرجت حتى أقرب حلفائه.
لقد تحوّل الرجل، في نظر قادة العالم، من زعيم دولة إلى رمزٍ للغطرسة والعناد السياسي، يقود بلاده نحو عزلة دولية متزايدة.
حتى الولايات المتحدة – الحليف التاريخي لتل أبيب – لم تُخفِ امتعاضها من سياساته، بينما تصف الصحافة الأوروبية حكومته بأنها الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل.
الملك عبدالله الثاني: لا ثقة في نتنياهو ولا في وعود إسرائيل
في أكثر من تصريح ومقابلة، أكّد جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين أن الثقة بالحكومة الإسرائيلية الحالية معدومة تمامًا، وأن نتنياهو تحديدًا لا يمكن الوثوق بتعهداته أو وعوده، نظرًا لتاريخه في نقض الاتفاقات والتلاعب بالسلام.
وفي مقابلة مع BBC، حذّر جلالته بوضوح من أن الشرق الأوسط سينهار إن لم يتحقق حلٌّ عادل يقود إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، مضيفًا أن السياسات الإسرائيلية الحالية تُغلق كل نوافذ الأمل وتُهدد استقرار الإقليم بأسره.
إن موقف الملك ليس سياسيًا فحسب، بل موقف أخلاقي وإنساني، يستند إلى إدراك عميق لطبيعة الحكومة الإسرائيلية التي تتحدث بلغة السلام وتتصرف بلغة الحرب.
حرب غزة نقطة التحول في النظرة العالمية
كانت الحرب الأخيرة على غزة الزلزال الأخلاقي والسياسي الذي هزّ الثقة بإسرائيل.
منظمات حقوقية كبرى مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية وثّقت جرائم حرب ضد المدنيين، فيما خرجت ملايين الأصوات في العواصم الغربية تندد بـ”إرهاب الدولة” الإسرائيلي.
تلك الأصوات لم تعد هامشية، بل أصبحت جزءًا من الرأي العام الدولي الذي يرى في إسرائيل دولةً مارقة تتحدى القانون الإنساني، وتغتال السلام في المنطقة.
انهيار الثقة من الداخل أيضًا
في الداخل الإسرائيلي نفسه، انقسم الشارع على ذاته.
مظاهرات متواصلة ضد نتنياهو، ومطالبات بإسقاطه، وشكوك في شرعية قرارات حكومته التي تحاول السيطرة على القضاء والإعلام.
لقد بات الإسرائيليون يدركون أن سياسات نتنياهو لم تزرع لهم أمنًا ولا سلامًا، بل خوفًا مستمرًا وعداءً متصاعدًا.
العالم اليوم أمام مفترق طرق
اليوم، يقف العالم أمام لحظة حاسمة: إما فرض محاسبة حقيقية على إسرائيل وإجبارها على احترام قرارات الشرعية الدولية، أو الاستعداد لانفجارٍ جديد في الشرق الأوسط، كما حذّر جلالة الملك عبدالله الثاني بأن "المنطقة ستنهار دون سلامٍ عادلٍ ودولةٍ فلسطينية مستقلة”.
لقد بات واضحًا أن زمن الثقة المجانية بإسرائيل قد انتهى، وأن العالم – شعوبًا ودولًا – بدأ يرفع صوته عاليًا: لا لسياسة الاحتلال، ولا لقيادةٍ لا تعرف سوى الدمّ.