مع اقتراب الانتخابات البلدية، يصبح النقاش السياسي أكثر وضوحاً حول الخيار الأصح، وهو الانتخاب أم التعيين؟ فمن منظور ديمقراطي، يظهر جلياً أن الانتخاب يمثل العمود الفقري لأي نظام يطمح إلى مشاركة سياسية حقيقية، حيث تكون السلطة شرعية لأنها منبثقة من إرادة المواطنين أنفسهم، لا من قرارات صادرة من الأعلى.
كما انه تعبير عن حق أساسي كفله الدستوري الأردني من خلال قدرة المواطن على تحديد من يمثله في إدارة شؤون مجتمعه المحلي. بالإضافة الى انه يمثل آلية لترسيخ المسؤولية السياسية والمساءلة، فالمرشح المنتخب يلتزم أمام ناخبيه، ويصبح قراره مرتبطاً مباشرة بمصلحة المجتمع، بينما التعيين مهما كانت نواياه سليمة، يخلق فجوة بين السلطة والمجتمع، لأن المسؤول يصبح موظفاً للقرار الأعلى وليس ملتزماً بالمواطنين.
وسياسياً، الانتخاب يعزز مبادئ المشاركة والتعددية والتنافسية، وهي ركائز أي نظام ديمقراطي سليم. كما أن المنافسة الانتخابية، إذا ما جرت بشفافية ونزاهة، تخلق بيئة سياسية تحفز المرشحين على تقديم برامج واقعية وخطط ملموسة لتطوير مناطقهم، وتضع المواطنين في موقع فاعل، حيث يتحول صوت كل مواطن إلى أداة للتغيير والمساءلة.
من زاوية أخرى، نجد بأن المجالس المنتخبة تضمن أن تكون السياسات المحلية متوافقة مع احتياجات المجتمع الفعلية، لأن صانعي القرار هم جزء من المجتمع نفسه، يعرفون تحدياته اليومية ويستشعرون أولوياته. أيضاً فهو يمثل قناة لإدماج الشباب والنساء والأفكار الجديدة في العملية السياسية، وبالتالي يوسع قاعدة المشاركة ويعزز التجديد السياسي ويحد من احتكار السلطة التقليدية.
والشرعية السياسية للمجالس المنتخبة تمنحها قوة أكبر في اتخاذ القرارات والتفاعل مع المجتمع المدني، وتفتح المجال لبناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الحكم المحلي، وهذا أساس لأي عملية إصلاح وتنمية مستدامة. ولعل التعيين قد يبدو سريعاً وآمناً من الناحية الإدارية، لكنه يفتقد الشرعية المجتمعية التي تجعل القرار سياسياً بامتياز، ويحد من المساءلة، ويضعف الإحساس بالانتماء والالتزام الجماعي تجاه المشروع المحلي.
تأكيداً على ذلك، فالانتخاب هو ممارسة سياسية تعكس التزام الدولة والمجتمع بمبادئ الديمقراطية، وهو السبيل لتأسيس حكم محلي فعال، مسؤول، وشفاف.
كما نأمل من المجالس البلدية القادمة في تحديد مدى قدرة المجتمع على ممارسة حقوقه السياسية بحرية، وبالتالي على رسم مستقبل تنموي مستدام ومبني على المشاركة السياسية الحقيقية.