في زمن أصبحت فيه الخصوصية عملة نادرة، باتت حياتنا تُعرض أمام الآخرين كما لو كانت كتابًا مفتوحًا، يقرأه الجميع دون استئذان.
فقد أثارت فتاة تُدعى سوزي الأردنية موجة جدل واسعة بعد نشرها عبر "ستوري” وبث مباشر مشادة كلامية مع والدها، تخللتها ألفاظ وتصريحات بذيئة، ما أدى إلى انتشار الفيديو بشكل واسع، وتدخل الجهات الرسمية، وانتهى الأمر بصدور قرار قضائي ضدها في مصر بتهمة التعدي على القيم الأسرية.
هذا الحدث يطرح سؤالًا جوهريًا: إلى أي حد يجب أن نكشف ما بداخلنا؟ وهل الحديث عن حياتنا يخفف عنا فعلًا، أم يرهقنا أكثر؟
الإنسان بطبيعته يحتاج إلى مساحة خاصة يحتفظ فيها بأفكاره ومشاعره بعيدًا عن أعين الآخرين، فالإفراط في كشف الذات يُفقد الإنسان هدوءه، ويجعله عرضة للتدخل أو الحكم من الآخرين، لتبدأ سلسلة من المشكلات الاجتماعية والنفسية وربما القانونية.
فعلى سبيل المثال، حين تبوح فتاة لصديقتها بأسرار بيتها، قد تنتقل تلك الأحاديث دون قصد إلى أطراف أخرى، فتتولد مشكلات أسرية وتضعف الثقة بين الأفراد. وهنا تأتي القاعدة البسيطة: ليست كل الأحاديث تصلح لأن تُروى، فبعضها يجب أن يبقى في دائرة الثقة فقط.
تربويًا، تقع مسؤولية تعليم حدود الخصوصية على عاتق الأسرة، إذ ينبغي أن يربّي الآباء أبناءهم منذ الصغر على احترام خصوصيات الآخرين وعدم التطفل على حياتهم، حتى يغدو ذلك سلوكًا طبيعيًا يحمي العلاقات من التوتر والخلاف.
ورغم أن "الفضفضة” وسيلة معروفة للتخفيف عن النفس، إلا أن الإفراط فيها قد يؤدي إلى نتائج عكسية، إذ تثبت دراسات في علم النفس الاجتماعي – منها ما كتبه الباحث Matt Hussey – أن المبالغة في مشاركة الهموم والمشاعر السلبية تجعل الآخرين أقل رغبة في التفاعل مع صاحبها، فينعزل تدريجيًا ويزداد شعوره بالوحدة والضعف النفسي.
الخصوصية ليست ضعفًا أو غموضًا كما يظن البعض، بل هي فن من فنون الحياة. فاحمِ تفاصيلك، واحتفظ بأسرارك، وكن على يقين أن ما لا يُقال أحيانًا هو ما يمنحك راحة البال وقوة الحضور.
"احتفظ بجزء من نفسك لا يعرفه أحد، فهناك فقط تسكن الراحة والطمأنينة.”