في المشهد الأردني الراهن، لا يبدو أن الأحزاب التقليدية وحدها هي التي تستعد للانتخابات النيابية المقبلة في عام 2028. فهناك، في عمق الشارع، تتشكّل ثلاثة أحزاب كبرى حقيقية، غير مسجّلة ربما، لكنها الأكثر حضورًا وتأثيرًا وتمثيلًا لنبض الناس:
حزب العاطلين عن العمل، وحزب الأميّين بالمعنى السياسي والثقافي والتكنولوجي، وحزب المتعثرين والدائنين.
هذه الأحزاب الثلاثة لا تحتاج إلى تمويل ولا إلى غرف عمليات ولا إلى حملات تسويقية.
أعضاؤها بالملايين، يجتمعون كل صباح في طوابير الانتظار والمراجعات، يتقاسمون الوجع والتهكّم واليأس.
ولأنهم جميعًا ضحايا السياسات الاقتصادية غير العادلة، فهم، إن قرروا أن ينهضوا بوعي جماعي — قادرون فعلاً على حسم أي انتخابات قادمة، والفوز بكل المقاعد الحزبية والعامة، وربما إعادة تعريف معنى "المعارضة” في الأردن من جديد.
لكن ما ينقص هذه "الأحزاب غير المعلنة” ليس الشعبية، بل القيادة والفكر والبرنامج.
إنها بحاجة إلى من يعيد تنظيمها في مشروع سياسي حقيقي، لا بالشعارات ولا بالتذمر، بل ببرنامج إصلاحي واقعي يعيد الاعتبار للعدالة الاجتماعية والكرامة الاقتصادية والحق في التعليم والعمل والسكن.
وهنا تبرز المقاربة مع ما يحدث في بريطانيا اليوم.
فبعد أن ضاقت السبل بجيرمي كوربن داخل حزب العمال، وبعد أن تم تجريده من عضويته وتشويه إرثه السياسي، اختار أن يؤسس حزبًا جديدًا اسمه Your Party حزب الناس الحقيقيين، العاطلين والمهمّشين والمستبعدين من دائرة القرار.
كوربن، الذي رفض أن يتحول اليسار إلى شعارٍ تزييني داخل ماكينة نيوليبرالية، أدرك أن السياسة لا بد أن تعود إلى جذورها الاجتماعية: أن تكون صوت العامل، والمعلم، والممرض، والمدين، وكل من شعر أن النظام لم يعد يراه.
وفي الأردن، نحن بحاجة إلى "كوربن أردني” لا بالاسم ولا بالأيديولوجيا، بل بالجوهر.
شخص أو حركة قادرة على إعادة تعريف السياسة بوصفها عملاً عامًا أخلاقيًا، لا امتيازًا ولا واجهة.
حركة تتجاوز الانقسام بين النخب والشارع، وتحوّل وجع الناس إلى قوة اقتراح وبناء لا مجرد احتجاج.
فالعاطلون عن العمل ليسوا كسالى، بل مهمَّشون؛
والأميّون سياسيًا ليسوا جهلة، بل مخدوعون؛
والمتعثرون ليسوا فاشلين، بل ضحايا نظام اقتصادي فقد توازنه وعدالته.
تلك هي "الأحزاب” التي إن وجدت من يوحدها في مشروع وطني اجتماعي، فستكتب فصلاً جديدًا في السياسة الأردنية، تمامًا كما يحاول كوربن اليوم أن يكتب فصلاً جديدًا في السياسة البريطانية، فصلاً يُعيد للناس دورهم الطبيعي: أن يكونوا أصحاب القرار، لا مواضيع للقرارات.