العميد الركن المتقاعد الدكتور عبدالمجيد علي الكفاوين
قراءة تحليلية في مضامين خطاب العرش السامي لعام 2025
( قائدٌ يتحدث بضمير الوطن )
في كل مرة يخاطب فيها جلالة الملك عبدالله الثاني أبناء شعبه، تتجدد فينا مشاعر الاعتزاز والثقة، لأننا أمام قائدٍ لا يتحدث بلسان السياسة فحسب، بل بصوت الضمير الوطني الذي لا يعرف المجاملة ولا المواربة.
إنه خطابٌ يجسّد الرؤية الملكية في معالجة هموم المواطنين واستشراف مستقبل الدولة، لأنه يصدر عن قائدٍ حمل الأردن في وجدانه، ومضى به بثباتٍ في دروب العزّة والمنعة.
( وثيقة وطنية وخارطة طريق )
لقد جاء خطاب العرش السامي، الذي ألقاه جلالته في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة العشرين، شاملًا في رؤيته، قويًّا في عباراته، حازمًا في توجيهاته.
فهو لم يكن مجرّد افتتاحٍ لموسمٍ دستوري، بل وثيقة وطنية جامعة، وخارطة طريق رسمت ملامح المرحلة المقبلة وحددت بوضوح اتجاهات العمل، واضعة أمام الجميع قاعدة صريحة:
"خدمة الوطن مسؤولية لا تحتمل التراخي، والعمل هو المعيار الوحيد للإنجاز.
( الثقة المتبادلة بين القائد والشعب )
تحدث جلالته من موقع القائد الذي يعتز بشعبه، وبقلبٍ نابضٍ بحب الأردنيين، حين قال:
"نعم، يقلق الملك، لكن لا يخاف إلا الله. ولا يهاب شيئًا وفي ظهره أردني."
عبارة تختصر عمق العلاقة بين القيادة والشعب، وتؤكد أن الثقة المتبادلة بين القائد والأردنيين هي سرّ تماسك الوطن وصلابة موقفه وثباته.
( الثبات الأردني في مواجهة العواصف )
منذ تأسيس الدولة الأردنية، وُلد الوطن في قلب العواصف، لكنه اختار دائمًا طريق الثبات لا الانكسار، والبناء لا الانكفاء.
وقد عبّر جلالته عن هذه الحقيقة الخالدة بقوله:
"نما الأردن رغمها، واشتدّ عوده، وتجاوزها واحدة تلو الأخرى."
هذه الكلمات تؤكد استمرارية النهج الأردني القائم على العزيمة والإصرار والعمل المؤسسي.
إنها رسالة للأجيال بأن الإيمان بالله، والانتماء للوطن، والالتفاف حول القيادة الهاشمية، هي الثوابت التي صنعت مجد الأردن وكرّست مكانته في بيئة إقليمية مضطربة وبيئة استراتيجية متغيّرة
( دعوة للعمل والإنجاز )
وجاء الخطاب السامي صارمًا في المبدأ، واضحًا في الاتجاه، شاملاً في المضمون.
فقد تناول محاور التحديث السياسي والاقتصادي والإصلاح الإداري والتعليم والصحة والنقل، وأكد جلالته بعبارة تختصر جوهر المرحلة المقبلة:
"لا مجال للتراخي، ولا رفاهية في الوقت."
إنها دعوة إلى العمل الميداني لا النظري، وإلى الإنجاز الواقعي لا الوعود، وإلى المساءلة الفاعلة لا الخطابات.
مرحلة عنوانها المسؤولية وشعارها الإنجاز، تعيد الاعتبار لقيمة الكفاءة والانتماء في خدمة الدولة والمواطن.
( ثوابت الموقف القومي والوصاية الهاشمية )
ولم يغب عن الخطاب البعد القومي والإنساني الذي يشكّل ركيزة الموقف الأردني في محيطٍ مضطرب، إذ أكد جلالته ثبات موقف الأردن تجاه أشقائنا في غزة، ودفاعه المبدئي عن القدس الشريف، مجددًا أن الوصاية الهاشمية على المقدسات ليست امتيازًا سياسيًا، بل عهدٌ تاريخي ومسؤولية دينية ووطنية راسخة.
فالأردن، كما أكد جلالته، لن يساوم على ثوابته، ولن يتنازل عن مبادئه، وسيبقى صخرة صلبة في وجه كل من يحاول العبث بالهوية أو المساس بالمقدسات.
( رؤية استراتيجية نحو المستقبل )
إن خطاب العرش السامي لم يكن مجرّد عرضٍ للمنجزات، بل رؤية استراتيجية شاملة تُعيد توجيه البوصلة نحو المستقبل.
فالأردن، كما أراده جلالته، ليس دولةً تكتفي بردّ الفعل، بل دولة مبادرة قادرة على تحويل التحديات إلى فرص، متسلحة بقيادة راشدة وشعب واعٍ ومؤسسات راسخة
( الأردن منارة اعتدال وركيزة استقرار )
وفي الختام، نستعيد قول جلالته المعبّر:
"لا خوف على الأردن القوي بشعبه ومؤسساته."
نعم، لا خوف على وطنٍ يتفيأ ظلال القيادة الهاشمية، ويفتخر بوفاء شعبه الأردني، وبجهوزية قواته المسلحة الباسلة وأجهزته الأمنية الساهرة على أمنه واستقراره.
فالأردن سيبقى، كما أراده الهاشميون، منارة اعتدالٍ وركيزة استقرار، ونموذجًا في القيادة المسؤولة التي تجمع بين الحزم والرحمة.
حفظ الله الأردن، وأدام عليه نعمة الأمن والاستقرار، في ظل القيادة الهاشمية .