في زمن أصبحت فيه "الضغطة” تفتح عالماً كاملاً، تحولت وسائل التواصل الاجتماعي من مجرد وسيلة ترفيه وتعارف إلى واقعٍ يفرض نفسه في تفاصيل حياتنا اليومية، يؤثر على فكرنا وسلوكنا وثقافتنا وحتى على طريقة رؤيتنا لأنفسنا ولعالمنا.
لكن السؤال الأهم يبقى: هل نحن من نستخدم هذه الوسائل… أم أنها التي باتت تستخدمنا؟
لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد تطبيقات على الهواتف، بل أصبحت ساحة مفتوحة لكل ما هو إيجابي وسلبي. ومن أبرز تأثيراتها السلبية التي بدأت تتغلغل في مجتمعاتنا، وخاصة بين الأجيال الصاعدة في الأردن:تراجع القيم والعلاقات الإنسانية، انشغل كثير من الناس عن واقعهم الحقيقي بعوالم افتراضية، فتراجعت العلاقات الأسرية والاجتماعية أمام "الإعجابات” والتعليقات، وغابت لغة الحوار والتواصل الحقيقي، بالاضافة الى الإدمان وفقدان الوقت ف ساعات طويلة يقضيها الشباب أمام الشاشات تُستهلك من أعمارهم دون إنتاج أو فائدة، مما يضعف مهارات التفكير، والقراءة، والتفاعل الواقعي. فقدان الثقة بالنفس حيث يتابع الشباب صوراً لحياة مثالية مزيفة، فيبدأ الشعور بالنقص والإحباط، مما يؤدي إلى اضطرابات نفسية كالاكتئاب والقلق والعزلة الاجتماعية. وانتشار الشائعات والأخبار الكاذبة في ظل غياب الوعي الرقمي، أصبحت مواقع التواصل بيئة خصبة لترويج الأكاذيب وتضليل الرأي العام، مما يؤثر سلباً على الأمن المجتمعي والثقة بالمؤسسات، ونشر الفتن والإساءة للقيم والعادات، حيث اصبحت من أخطر ما تسببت به وسائل التواصل الاجتماعي هو إعادة نشر الأخبار والمقاطع التي تسيء لقيمنا الأصيلة وعاداتنا الأردنية والعربية، سواء بقصد أو بغير قصد.فقد أصبحت بعض الصفحات تُسهم في بث الفتن، ونشر الإحباط، وزعزعة الثقة بين فئات المجتمع من خلال تداول محتوى سلبي أو مضلل يمسّ السمعة أو يشكك في النوايا. فمشاركة مثل هذا المحتوى دون تحقق تُعد مشاركة في الهدم لا في البناء، فكل منشور مسيء أو خبر كاذب يتم تداوله يترك أثراً في النفوس ويغذي الشك والفرقة بدلاً من الوحدة والتكاتف.لذا، فإن الوعي المجتمعي والرقابة الذاتية هما خط الدفاع الأول في مواجهة هذا الخطر، عبر التثبت قبل النشر، والإحجام عن مشاركة كل ما يثير الفتن أو يسيء إلى قيمنا وأخلاقنا ومجتمعنا. كما ان الابتعاد عن الهوية الوطنية:
تتسلل عبر هذه المنصات ثقافات دخيلة تُهدد هويتنا الوطنية، وتُضعف روح الانتماء والولاء، وتغرس أنماطاً غريبة عن قيمنا الأردنية الأصيلة.
كيف نحول السوشيال ميديا إلى قوة بناء وإبداع؟
رغم هذه السلبيات، تظل وسائل التواصل الاجتماعي سلاحاً ذا حدين. وبالوعي والإدارة الصحيحة، يمكن تحويلها إلى منصة تعليم، وإبداع، وتطوير، وريادة.
ولتحقيق ذلك، علينا أن نعمل على:
1. تعزيز التربية الرقمية:
إدخال مفاهيم "الاستخدام الآمن والمسؤول للتكنولوجيا” ضمن المناهج الدراسية، وتعليم الطلبة كيفية التمييز بين المعلومة الصحيحة والمضللة.
2. تمكين الشباب من صناعة المحتوى الهادف:
بدلاً من أن يكونوا مجرد مستهلكين، يجب أن يصبحوا منتجين للمحتوى الذي يعكس الفكر الأردني الأصيل، والإبداع المحلي، والمواهب الوطنية في مجالات الفن والعلم والتكنولوجيا.
3. دعم المبادرات الوطنية الرقمية:
تشجيع إنشاء منصات أردنية تعزز الثقافة، وتدعم المشاريع الشبابية، وتنشر قصص النجاح المحلية التي تبعث الأمل والإيجابية.
4. تفعيل دور الأسرة:
على الأهل أن يكونوا قدوة في الاستخدام الواعي، وأن يتابعوا أبناءهم بالحوار والتوجيه لا بالمنع فقط، فالمراقبة الواعية تبني الثقة وتحمي من الانحراف الرقمي.
5. الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني:
من خلال حملات توعية وبرامج تدريبية تنشر ثقافة "الوعي الإلكتروني”، وتحفّز على الابتكار الرقمي لخدمة الوطن.
جيل مبدع… لا تابع
الأردن يملك طاقات شبابية خلاقة، تمتلك الفكر والقدرة، لكنها تحتاج إلى توجيه سليم يجعل من وسائل التواصل أداة للبناء لا للهدم.
جيل اليوم إذا وُجّه نحو الريادة الرقمية والإبداع التكنولوجي، يمكنه أن يحول "السوشيال ميديا” إلى وسيلة لخدمة الوطن، ونشر المعرفة، والتأثير الإيجابي في المجتمع.
الخلاصة
وسائل التواصل الاجتماعي ليست عدواً، لكنها أيضاً ليست صديقاً مخلصاً.
هي مرآة تعكس وعينا وطريقة تعاملنا معها. فإن أحسنّا استخدامها، كانت جسراً نحو التقدم والإبداع، وإن أسأنا، أصبحت طريقاً إلى التشتت والضياع.
فلنزرع في أجيالنا الوعي والمسؤولية، ونغرس فيهم أن الإبداع لا يأتي من عدد المتابعين، بل من أثر ما نتركه في عقول الناس وقلوبهم.
ومن الأردن، يمكن أن ننطلق نحو جيل رقمي مبدع، مسؤول، وواثق بنفسه… يصنع المستقبل ولا يُصنع به.