يبحث الآلاف منذ الساعات الأولى من فجر السبت عن حقيقة اغتيال حميدتي، بعد أن اجتاحت مواقع التواصل موجة غير مسبوقة من المنشورات التي تزعم مقتل قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي” في هجوم بطائرة مسيّرة، وبينما تتراكم الأسئلة وتتزايد التكهنات، يلتزم طرفا الصراع في السودان -الجيش والدعم السريع- صمتًا كاملًا يزيد المشهد غموضًا ويمنح الشائعة مساحة أكبر للانتشار.
انتشار واسع على مواقع التواصل: بداية القصة
بدأت شرارة الشائعة مساء الجمعة، عندما نشر عدد من الحسابات على منصة "ثريدز" ما وصفوه بـ"خبر عاجل"، يؤكد اغتيال حميدتي بطائرة بيرقدار تركية دون تقديم أي تفاصيل أو صور أو فيديوهات.
وخلال دقائق قليلة، تحولت المنشورات إلى سيل من المشاركات والتفاعلات على فيسبوك وX، حيث نقل مستخدمون الخبر بصيغ متعددة، بعضها ينقل معلومة مختصرة، وبعضها يضيف تفاصيل غير مؤكدة تزيد من حالة الإرباك.
ورغم غياب أي مصدر إعلامي موثوق، ظل وسم اغتيال حميدتي ضمن الأكثر تداولًا طوال الليل، مدفوعًا بفضول الجمهور ورغبة الكثيرين في معرفة ما يجري داخل أروقة الصراع السوداني المحتدم.
نسبة الخبر إلى قناة دولية دون دليل
عدد من الصفحات حاول منح الشائعة "غطاءً إعلاميًا” عبر نسب الخبر إلى قناة RTE الدولية، إلا أن التحقق من حسابات القناة الرسمية وتغطياتها الإخبارية لم يُظهر أي إشارة للموضوع.
كما لم تنشر القناة أي بيان أو توضیح يفيد بأنها كشفت عن عملية الاغتيال، ما جعل كثيرًا من المتابعين يشككون في أصل الرواية.
هذا التناقض بين كثافة النشر الشعبي وغياب المؤسسات الإعلامية الرسمية وضع الشائعة في منطقة رمادية، حيث لا يوجد ما يؤكدها أو ينفيها بشكل قاطع.
صمت الجيش السوداني والدعم السريع.. غموض متزايد
ورغم العاصفة الرقمية التي أثارتها الأخبار المتداولة، لم يصدر أي تعليق من الجيش السوداني أو قوات الدعم السريع.
لم تُصدر القيادة العامة للقوات المسلحة بيانًا، ولم تظهر أي تصريحات من قادة الدعم السريع، ولم تخرج أي توضيحات عبر المصادر الإعلامية المقربة من كلا الطرفين.
هذا الصمت بدا لافتًا للكثير من المتابعين، فمنهم من اعتبره دليلًا على عدم صحة الشائعة، وآخرون رأوا أن الصمت قد يكون مرتبطًا باعتبارات عسكرية أو سياسية.
لكن المراقبين يشيرون إلى أن الأطراف المتحاربة تلتزم أحيانًا بعدم التعليق على الشائعات التي تُستخدم كجزء من "حرب المعلومات”، بهدف إضعاف الخصم أو التأثير على معنويات الجنود.
غياب الإعلام الدولي عن الحدث
من اللافت أن وكالات الأنباء العالمية—رويترز، BBC، أسوشيتد برس، فرانس برس—لم تشر من قريب أو بعيد إلى خبر الاغتيال.
غياب الإعلام الدولي عن مثل هذا الحدث الضخم يعزز الشكوك، خاصة أن هذه المؤسسات تتابع تطورات الحرب السودانية بدقة منذ بدايتها.
وفي النزاعات المسلحة، عادة ما تكون مثل هذه الأخبار مصحوبة بصور أقمار صناعية، أو تسريبات عسكرية، أو تأكيدات من مسؤولين، لكن ذلك كله لم يحدث.
كيف تحوّلت الشائعة إلى مادة نقاش سياسي؟
وفق محللين، فإن شائعة اغتيال حميدتي لم تكن مجرد خبر عابر، بل أصبحت أداة سياسية تُستغل في إطار صراع النفوذ بين الجيش والدعم السريع، ويقول خبراء في الشأن السوداني إن نشر مثل هذه الأخبار قد يحمل أهدافًا عدة:
محاولة لزعزعة الصف الداخلي للدعم السريع
ضرب الروح المعنوية لأفراد القوات الذين يعتمدون بشكل كبير على قيادة حميدتي الشخصية.
اختبار ردود الفعل الدولية
قياس مدى تأثير غياب قائد الدعم السريع على المشهد الإقليمي والدولي.
محاولة تغيير مسار الصراع إعلاميًا
اعتماد الشائعات كأداة لتغيير الصورة الذهنية لدى الجمهور داخل السودان وخارجه.
حرب الشائعات في السودان: واقع يتكرر
لا تعد شائعة اغتيال حميدتي الأولى من نوعها، فقد شهدت الحرب السودانية عشرات الروايات غير المؤكدة، التي تستغل الفراغ الإعلامي وغياب المعلومة الصحيحة.
وفي بيئة يتراجع فيها وجود الصحافة المهنية بسبب ظروف الحرب، يجد مستخدمو مواقع التواصل أنفسهم أمام سيل من الأخبار التي يصعب التحقق منها.
ويرى خبراء الإعلام الرقمي أن "حرب الشائعات” أصبحت جزءًا ثابتًا من المعركة، تُستخدم لتوجيه الرأي العام، وتحريك المياه الراكدة، وإرباك الطرف الآخر.
المحصلة: لا دليل على الاغتيال.. والانتظار مستمر
حتى هذه اللحظة، لا توجد أي أدلة رسمية أو موثوقة على صحة خبر اغتيال حميدتي، ورغم الانتشار الواسع للشائعة، فإن غياب المصادر المحترفة، وصمت المؤسسات الرسمية، وتجاهل الإعلام الدولي جميعها مؤشرات قوية على أن الأمر يدخل في إطار التضليل الرقمي وليس المعلومات الصحيحة.
ومع استمرار الصراع الميداني بين الجيش والدعم السريع، يُتوقع أن تتجدد مثل هذه الشائعات، ما يشكل تحديًا كبيرًا أمام الجمهور الباحث عن الحقيقة.