كيف تحوّل تسريب مجهول عن زياد المناصير إلى ( خبر مقدّس ) في الإعلام الأردني؟
انتشر خلال اليومين الماضيين تصريح منسوب لرجل الأعمال زياد المناصير، يتحدث عن ضغوط وابتزاز من مسؤولين سعوا لتمرير طلبات توظيف ومنافع خاصة داخل مجموعته،
ورغم حساسية ما نُشر، ورغم أن مصدره غير معروف حتى الآن، تعاملت عشرات المواقع مع النص وكأنه بيان رسمي صادر عن المناصير نفسه بل وكانه " سكربت " موحد ونص " مقدس " .
اللافت أن معظم المنصات أعادت نشر الصياغة ذاتها دون نسب واضح، ودون محاولة للتأكد أو الحصول على تعليق من أي طرف معني، ما حول تسريبًا مجهولًا إلى مادة إعلامية مكتملة تنتقل من موقع لآخر بسرعة مضاعفة ، وكأن مجرد التداول يمنح المعلومة شرعية لا يملكها النص الأصلي.
هذا النمط يعكس ضعفًا متزايدًا في الالتزام بالحد الأدنى من المهنية، فالتصريح الذي يحمل اتهامات ثقيلة، لو كان حقيقيًا وصادرًا عن المناصير، لخرج عبر قناة رسمية، أو مقابلة، أو بيان موثق، لكن ما حدث أن المواقع منحت النص سلطة " الخبر التلقائي " دون أن تُمارس دورها الطبيعي: السؤال، ثم التحقق، ثم النشر.
الأغرب أن القصة انتقلت من مجرد " تسريب " إلى " رواية عامة " يتبناها المتابعون على أنها حقيقة، فقد صاغت بعض المواقع عناوين حاسمة، وكتب بعضها بلهجة تؤكد صحة المعلومة دون إشارة ولو بسيطة إلى مصدرها،ليصبح الخلل أكبر من مجرد خطأ مهني ،ويصبح مشاركة في صناعة رأي عام مبني على معلومة بلا سند.
السؤال الذي يفرض نفسه: ما الذي يدفع مؤسسات اعلامية كبيرة إلى تبني تصريح بلا أصل؟ هل هو السباق نحو التفاعل؟ أم غياب الموارد للتحقق؟ أم رغبة في تبني قصة مثيرة دون النظر إلى نتائجها؟
في كل الحالات، فإن تحويل مجهول إلى " مؤكد " يكشف أزمة متراكمة في طريقة تعامل الإعلام الإلكتروني مع الأخبار الحساسة.
وهنا نقول إن القضايا المرتبطة بشخصيات اقتصادية بحجم زياد المناصير لا تُدار بهذه الخفة، فالاتهامات — إن صحت — تستوجب فتح ملفات وتحقيقات مؤسسية، لا مجرد نسخ ونشر، وإن كانت غير صحيحة، فإن نشرها بهذه الطريقة يلحق الضرر بالقطاع الاقتصادي وبثقة المستثمرين وبالمشهد الإعلامي ذاته.
ما حدث يعيدنا إلى المعادلة الأساسية: الإعلام ليس ناقلًا لما ينتشر، بل مرشحًا لما يستحق النشر، والمهنية لا تظهر عند الأخبار السهلة، بل عند الأخبار المثيرة التي تحتاج إلى عقل بارد قبل يدٍ تضغط " نشر ".
وفي زمن تتحول فيه الشائعة إلى حقيقة بمجرد أن تتصدر " الترند " ، تصبح مسؤولية المؤسسات الصحفية أكبر من أي وقت مضى. لأن الجمهور لا يحتاج إلى مزيد من الضجيج… بل إلى معلومة واضحة، موثقة، وحقيقية؛ وهذا هو الفارق الذي يميز الصحافة عن مجرد صفحات تنسخ ما ينتشر دون مساءلة.