يحتفل الشعب الأذربيجاني اليوم بالعيد الوطني الثامن والعشرين لاستقلال جمهورية أذربيجان. ففي مثل هذا اليوم من عام 1918، تم قيام أول جمهورية ديمقراطية ذات طابع برلماني في الشرق الإسلامي وهي جمهورية أذربيجان الشعبية التي عاشت على مدى 23 شهرا.
لقد شهدت الجمهورية خلال الفترة من 28 مايو عام 1918 الى 28 أبريل عام 1920 تداعيات الإنقلابات الشيوعية والحرب الأهلية في روسيا وعواقب الحرب العالمية الأولى والصراعات العرقية والمزاعم التي أطلقتها أرمينيا حول ضم الأراضي الأذربيجانية التاريخية. وسهلت تلك الأحداث التي أوقعت منطقة القوقاز في فوضى وإضطراب كاملين إحتلال الجيش السوفييتي للمنطقة باسرها. وعلى الرغم من ذلك، قامت جمهورية أذربيجان الديمقراطية ذات طابع برلماني وتمكنت على إمتداد فترة وجودها من إتخاذ عدد من الخطوات المهمة في عملية بناء الأمة على أساس تقاليد الدولة وتاريخ الشعب الأذربيجاني.
وحتى يومنا هذا، وكما كان عام 1918، يظل إعلان الإستقلال الذي أرسى الأسس التشريعية لجمهورية أذربيجان الديمقراطية، وثيقة ملهمة وبالغة الأهمية بالنسبة لأذربيجان. فبموجب هذه الوثيقة، أعلنت أذربيجان جمهورية برلمانية ديمقراطية ملتزمة بمبادئ سيادة القانون ونظام التعددية الحزبية وعلاقات الجوار الطيبة والتسامح والحقوق المتساوية لكل القوميات التي تسكن في أذربيجان.
ويعد تمثيل جميع التيارات السياسية والقوميات والأعراق الرئيسية في البرلمان الوطني ذي المئة وعشرين مقعدا, شاهد حي علي التزام أذربيجان بالتعددية الحزبية والنظام البرلماني متعدد القوميات. وآنذاك، قدم البرلمان الذي يضم إحدي عشرة لجنة أكثر من 270 قانونا للمناقشة, وتمت الموافقة علي 230 منها في أقل من عامين. وكانت من ضمن تلك القرارات، منح المرأة حق الاقتراع وبالتالي، الشعب الأذربيجاني لفخور بأن بلاده سبقت بتلك الخطوة حتي الدول الأكثر تقدما في العالم حينذاك.
من جهة أخرى، تم إعتماد العلم ذي الألوان الأزرق والأحمر والأخضر مع الهلال والنجمة الثمانية الأطراف، حيث يرمز لونه الأزرق الى إنتماء الشعب الأذربيجاني الي الأصول التيوركية ولونه الأحمر الى الحرص على بناء المجتمع الحديث وتطوير الديمقراطية واللون الأخضر الى الإنتساب الى الحضارة الإسلامية. ومنذ عام1920، حظر النظام السوفيتي استخدام هذا العلم ثلاثي الألوان، إلا أنه عاد ليكون علم جمهورية ناختشيوان ذات الحكم الذاتي في 17 نوفبر عام 1990 وثم جمهورية أذربيجان قبيل إستقلالها عن الإتحاد السوفييتي عام 1991 بأشهر وذلك بمبادرة كريمة من الزعيم الوطني للشعب الأذربيجاني حيدر علييف، حينما كان رئيس المجلس الأعلى لجمهورية ناختشيوان ذات الحكم الذاتي وثم رئيس جمهورية أذربيجان.
لقد تم في عهد الجمهورية الشعبية إلغاء الرقابة على وسائل الإتصال والحقوق الأساسية الأخرى التي فرضها النظام الامبراطوري القيصري. كما جرى إتخاذ قرار بتأسيس جامعة باكو الحكومية التي تظل اليوم مثار فخرنا واعتزازنا وتواصل أداء رسالتها المتمثلة في تعليم شباب وشابات أذربيجان. وبرغم الصعوبات المالية، قامت الحكومة في تلك الفترة بتمويل دراسة مائة طالب أذربيجاني في الخارج.
وفي فترة قصيرة من الزمن، تطور الجيش الوطني والنظام المالي الاقتصادي المستقل. وتم صد المزاعم حول الأراضي والسياسة الاستفزازية للجارة أرمينيا. وبدأت أيضا المفاوضات التجارية مع البلدان الأخري لإمداد السوق العالمية بصادرات النفط من أذربيجان المستقلة.
على صعيد دولي، نالت الجمهورية الفتية الإعتراف الدولي خلال مؤتمر بارس للسلام بعد محادثات دبلوماسية مكثفة مع قيادة دول الحلف. بيد أن الجمهورية الأولي ما إستكملت للأسف ذكراها الثانية للإستقلال بشهر. إذ أنه في 25 ابريل عام1920، عبرت القوات البلشفية أراضي أذربيجان ودخلت باكو يوم 28 ابريل وطالبت باستقالة البرلمان الأذربيجاني. هكذا إنتهت المرحلة الأولى من تاريخ جمهورية أذربيجان االمستقلة ذات التقاليد والقيم الديمقراطية.
مع مضي الزمن، إستطاعت أذربيجان أن تستعيد إستقلالها بعد السبعين عاما من العهد السوفييتي فور تفكك الإمبراطورية السوفييتية وذلك في عام 1991. غير أن الجمهورية الثانية كانت على حافة الإختفاء الوجودي من جراء المشكلات الداخلية والخارجية، ألا وهي الفوضى السياسية والإقتصادية والإجتماعية، بالتوازي مع العدوان العسكري من قبل أرمينيا المجاورة بدعم عسكري خارجي، ما أسفر عن إحتلال 20% من أراضي أذربيجان التاريخية وتشريد وتحول الى لاجئين أكثر من مليون أذربيجاني.
وفي ضوء هذه التطورات التي تضع مصير الدولة على المحك، توجه الشعب الأذربيجاني بنداء الى القائد العظيم حيدر علييف ذي الخبرة والحنكة السياسية المتراكمة من خلال توليه المنصاب الرفيعة أيام الإتحاد السوفييتي والذي كرس حياته لشعبه الغالي، توجه بنداء حتى ينقذه من الكارثة القائمة. فلبى الزعيم الوطني نداء شعبه وتقلد زمام الحكم بعد الإستفتاء العام.
حيث سارع الزعيم الوطني حيدر علييف الى وقف إطلاق النار مع أرمينيا المحتلة وبدء المفاوضات مع الدول المشاركة في حل النزاع لإعادة الأراضي المحتلة، الى جانب تعزيز مؤسسات الدولة وتوسيع آفاق العلاقات الخارجية التي اشتدت الحاجة إليها وبناء الجيش ووضع أسسا استراتيجية شاملة في مجال الطاقة بما في ذلك تمهيد الطريق للتنمية المستدامة طويلة الأمد للبلاد. هكذا بدأت حقبة جديدة من حياة جمهورية أذربيجان المستقلة. بعبارة واحدة، أخرج القائد العظيم حيدر علييف البلد من مرحلة الشكوك والمصاعب التي سادت مطلع تسعينيات القرن الماضي وأولجه في آفاق المستقبل المشرق.
وتشدد السفارة على أن المملكة الأردنية الهاشمية تعد من أوائل الدول العربية التي سبق لها أن إعترفت بإستقلال جمهورية أذربيجان وذلك في 28 ديسمبر عام 1991 وأعقبه إقامة العلاقات الدبلوماسية في 13 فبراير عام 1993. ليس من باب الصدفة أن المملكة الأردنية وقائدها العظيم آنذاك الملك الحسين بن طلال، رحمة الله عليه وطيب الله ثراه، قد ألم من خلال تجرته السياسية الغنية بثمن الإستقلال، فلذا لم يتوان في شأن الإعتراف بإستقلالنا. وثم جاء اللقاء التاريخي الذي جمع بين القائدين العظيمين المغفور لهما هما حيدر علييف رئيس الجمهورية في ذلك الوقت والملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراهما، على هامش القمة الإسلامية بدار البيضاء المغربية في 13 ديسمبر عام 1994، جاء ليضع أسس علاقات الصداقة والتعاون المتينة والقوية التي تزداد اليوم صلابة في ظل الصداقة والأخوة القائمة بين فخامة/ إلهام علييف، رئيس جمهورية أذربيجان وجلالة/ الملك عبدالله الثاني إبن الحسين، ملك المملكة الأردنية الهاشمية.
وبعد إنتخاب فخامة/ إلهام علييف رئيسا لجمهورية أذربيجان في أكتوبر عام 2003 بدعم مطلق من شعبه الحكيم، إنطلقت صفحة جديدة وناجحة بكل المعايير من علاقاتنا الثنائية، حيث تأسست البعثة الدبلوماسية في كل من عمان وباكو وقام فخامة الرئيس بالزيارتين الرسميتين الى الأردن وجلالة الملك زار أذربيجان ايضا مرتين. ثم جرت الزيارات المتبادلة على مستوى الوزراء ورؤساء الهيأت التشريعية وما الى ذلك. كما بدأ عمل اللجنة الحكومية المشتركة المعنية بالتعاون التجاري والإقتصادي والفني التي إستضافت العاصمة عمان جلستها الثالثة في شهر فبراير عام 2018. واليوم، نعمل مع الجهات المعنية في كلا البلدين على تنظيم في عام 2020 الجلسة الرابعة في العاصمة باكو، لأن اللجنة تجتمع كل سنتين.
في نفس السياق، هناك التعاون الثنائي الناجح في إطار المنظمات الدولية. وفي هذا الصدد، تعرب السفارة عن عميق شكرها للأردن على موقفها الثابت من النزاع الأرمني الأذربيجاني حول قاره باغ الجبلي الذي أدى الى إحتلال 20% من أراضينا الأم وتشريد أكثر من مليون أذربيجاني من ديارهم وذلك من قبل أرمينيا.
وبينما نحتفل بالذكري الثمانية والعشرين لاستقلالها، أصبحت أذربيجان اليوم بلدا ديمقراطيا ينمو بحيوية، بلدا ملتزما بالأعراف الديمقراطية، مستلهما تقاليد الجمهورية الأولي. وتحت قيادة فخامة الرئيس/ إلهام علييف، تحولت أذربيجان الي أحد الاقتصادات الأسرع نموا في العالم وبر الأمان والإستقرار وصاحب الكلمة الأخيرة في منطقة جنوب القوقاز.
كما تضطلع الجمهورية اليوم بدور هام للغاية في أمن الطاقة في أوروبا بفضل شبكة خطوط الأنابيب للنفط والغاز مثل خط الأنابيب للنفط باكو-تبيليسي-جيهان وخطوط الأنابيب للغاز TAP وTANAP، الى جانب كونها حلقة الوصل بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب بواسطة ممرات النقل ومنها "الطريق الحريري للحزام الإقتصادي" الذي تشارك أذربيجان فيه بفاعلية.
أما المؤشرات الإقتصادية والإجتماعية التي أحرزتها أذربيجان منذ رئاسة القائد العظيم حيدر علييف بين الأعوام 1993-2003 الى الربع الأول من عام 2019 بقيادة فخامة/ إلهام علييف رئيس جمهورية أذربيجان، فنرى أن أذربيجان تحتل المرتبة الخامسة والعشرين حسب تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2019 لمنظمة الأمم المتحدة وتُعتبر من الدول العشر أكثر تنفيذا للإصلاحات.
كما تم خلال السنوات المذكورة إستثمار 250 بليون دولار أمريكي في الإقتصاد الوطني الذي كبر أكثر من 3 أضعاف أثناء تلك الفترة ومنح القروض الميسرة لرجال الأعمال بقيمة 1.2 بليون دولار أمريكي. واضيا شهدت القطاعات غير النفطية والصناعية والزراعة زيادة 2.8 ضعف و2.6 ضعف و1.7 ضعف بالموافقة، الى جانب التصدير غير النفطي الذي إرتفع 4.1 ضعف. وبموجب تقرير التنافسية العالمية للمنتدى الإقتصادي العالمي، فتتصدر أذربيجان من بين دول رابطة الدول المستقلة وتحتل المركز الخامس والثلاثين عالميا.
من جهة أخرى، تراجع مستوى الفقر من 50% الى 5.4% وتم توفير 2 مليون فرصة عمل وإنخفضت نسبة البطالة لتصل اليوم 5% وكثر إحتياطي النقد الأجنبي ليبلغ 46 بليون دولار أمريكي في عام 2018، في حين كان على حد 1.8 بليون دولار أمريكي عام 2003.
بالتوازي، ينبغي الإشارة الى دور فريد الذي تتحمله مؤسسة حيدر علييف برئاسة السيدة/ مهربان علييفا، النائبة الأولى لرئيس الجمهورية وسفيرة النوايا الحسنة لدى منظمة اليونسكو ومنظمة الايسيسكو في الإرتقاء بمستوى التعليم والصحة في أذربيجان، حيث تم بمبادرات كريمة من السيدة/ مهربان علييفا إنشاء أو إعادة بناء أكثر من 3 آلاف مدرسة وما يفوق 600 منشأة طبية. في الوقت ذاته، أسهمت السيدة/ مهربان علييفا إسهاما كبيرا في إستضافة الفعاليات الثقافية والإنسانية والرياضية الدولية التي أذاعت صيت أذربيجان كدولة متسامحة ومرحبة بالحوار بين الحضارات والثقافات ورياضية.
وفي مطلع تسعينيات القرن المنصرم، كانت قلة قليلة فقط هي التي آمنت بإمكان خروج البلاد من دوامة الفوضى العارمة وصمودها باعتبارها دولة ذات سيادة بسبب العدوان الأرميني والصعوبات الداخلية السياسية والاقتصادية. بيد أن أذربيجان بقصة نجاحها تمكنت من التغلب علي جميع أوجه التشاؤم وأثبتت أن استقلالها وتطورها الناجح أمر أبدي لا رجعة فيه كما قال حيدر علييف القائد الوطني للشعب الأذربيجاني.
في الختام، تدعو السفارة الاشقاء الأردنيين الأعزاء لزيارة أذربيجان التي تحولت اليوم الى محط الأنظار للسياح من دول العالم، لا سيما الدول العربية. والجدير بالذكر أن عدد السياح العرب الذين زاروا البلاد في عام 2018 يتجاوز رقما في 550 ألف سائح.