أقر مجلس الشيوخ الأمريكي يوم أمس حزمة إغاثة شاملة تبلغ قيمتها 2 تريليون دولار لمساعدة العمال والشركات ونظام الرعاية الصحية لمواجهة وباء الكورونا، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة بؤرة جديدة لتفشي المرض. يتوقع البنك الاحتياطي الفدرالي أن تفقد البلاد 14 مليون فرصة عمل وأن يصل معدل البطالة إلى 30%، في حين سينخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى النصف في الربع الثاني من العام الحالي، ومن المؤكد أن يزداد في النصف الثاني. الإتحاد الأوروبي، الذي ينهش الكورونا معظم بلدانه، بدا كذلك هشاً ويتجه إلى التفكك بعد أن تخلى عن إيطاليا في ضائقتها، خصوصاً بعد الفضيحة المشينة التي تمثلت في استيلاء جمهورية التشيك على أجهزة التنفس ومعدات الوقاية الطبية التي أرسلتها الصين هبةً لإيطاليا.
يبدو العالم اليوم قاتماً وأنانياً، حيث كل دولة تهرب بنفسها وتعزل حدودها طلباً للنجاة، في الوقت الذي يتطلب تعاوناً وتشاركاً استثنائياً لمجابهه الوباء، خصوصاً البلدان العربية التي ستصبح لا محالة البؤرة القادمة لإنتشار المرض في الأشهر القادمة، لحفنة من الأسباب. أولها الموقع الجغرافي وتماسها مع أوروبا حيث ثمان دول تقع في حوض البحر المتوسط، منها تونس والجزائر والمغرب، تملك جاليات ضخمة في الجارة الشمالية. ثانيهما العمالة الأجنبية في دول الخليج الست التي تستضيف حوالي 25 مليون آسيوي، أي ما يعادل نصف سكانها، والعراق الذي يتشابك ديمغرافياً وسياسياً ولوجستياً مع إيران. ثالثهما الحروب التي تطحن سوريا واليمن وليبيا وتطفح بالجيوش الأجنبية والمرتزقة والإرهابيين، وينتقل فيها الموت وربما الوباء بسهولة ويسر. رابعها اللاجئين الذين يمثلون مآساة إنسانية عظيمة، خصوصاً السوريون منهم.
تعمل الدول العربية بجد لإحتواء الموجة الأولى من الوباء بإتباعها النموذج الشرقي وإغلاق الحدود وفرض القوانين الصارمة والحظر المنزلي، لكنها البداية فقط. لذلك يقف القادة العرب أمام لحظة تاريخية لصون الأوطان وحماية الشعوب عند ظهور بوادر الموجة الثانية من الوباء التي لن تكون صحية فسحب، إنما إقتصادية بشكل رئيسي، وربما وجودية تهدد الأمة بأكملها. وإن غابت الجامعة العربية عن المشهد، فلا بد للرؤساء العرب من عقد قمة إفتراضية، على غرار قمة العشرين، للخروج، ولأول مرة في التاريخ، بخطة وقائية جادة للحد من تفشي الوباء الذي يهدد العروش تماماً مثلما الأرواح. القادة العرب مطالبون، في المرحلة الأولى على الأقل، بنبذ خلافاتهم ووقف الحروب والعناية باللاجئين ورعايتهم، قبل أن نشهد نهاية العرب وخروجهم، ليس من التاريخ فقط، وإنما الوجود.