دعا خبراء الحكومة والقطاع الخاص للتعاضد معا ووضع خطة اقتصادية وطنية شاملة تتجاوز تبعات أزمة فيروس كورونا المستجد.
وشددوا على ضرورة أن تدعم الخطة القطاعات الاقتصادية المتضررة وترفع من القدرة الشرائية للمواطنين الأفراد، وتعزز من فرص العمل، وتركز على الاعفاءات الضريبية وخفض مختلف تكاليف التشغيل.
وأكدوا ضرورة إعادة ترتيب بنود الموازنة العامة للعام الحالي كون الانفاق على الجوانب الصحية سيرهقها على المدى القصير، ما يتطلب استئناف النشاط الاقتصادي على المدى المتوسط والبعيد، والتخفيف من آثار الأزمة على المواطنين.
وأكد وزير المالية الأسبق، سليمان الحافظ، ضرورة وضع خطة لمشروع إنقاذ اقتصادي وطني يحافظ على الإيرادات العامة، يُعدّها خبراء اقتصاديون وبمشاركة القطاعين العام والخاص، لافتا إلى أهمية تأجيل المشروعات الجديدة أو دعم المتعثرة، والتركيز على الرائدة والفعالة وتعزيزها.
وشدد على ضرورة خفض النفقات الجارية بما لا يقل عن نصف مليار دينار في بعض البنود، ورفد البنود الأخرى المهمة بهذه الفروقات، إلى جانب ضخ السيولة المالية في الاقتصاد للأفراد والقطاعات المتضررة وبنسب متفاوتة، وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين، بما يؤدي إلى تحريك عجلة الاقتصاد وزيادة الإنتاجية، وما يتبع ذلك من زيادة الإيرادات العامة.
وأضاف أن مصدر الأموال التي يمكن توفيرها من خلال مساهمات للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي وقروض خارجية، على شكل قروض لعشرين سنة وبفائدة معقولة، مبينا أن هذا المقترح سيجد فرصة استثمارية لأموال الضمان الاجتماعي من جهة مع بقاء الفوائد داخل المملكة من جهة أخرى، إضافة إلى أن الاقتراض الخارجي بالدولار سيعزز احتياطي الأردن من العملات الأجنبية.
وشدد الحافظ على ضرورة إعادة جدولة الديون الخارجية الحالية بشروط أفضل، بالاتفاق والتنسيق مع صندوق النقد الدولي.
وقال وزير التخطيط والتعاون الدولي الأسبق، الدكتور تيسير الصمادي، إن المطلوب في هذه المرحلة هو اتباع سياسات مالية ونقدية توسعية، تتضمن تخفيض النسب الضريبية على المبيعات، وتقديم الحوافز والاعفاءات للقطاعات الاقتصادية المختلفة، وتكاليف التشغيل على المنتجين ومقدمي الخدمات، موضحا أن ذلك يتطلب حزمة تحفيزية فاعلة للقطاع الخاص لدفع عجلة النمو الاقتصادي.
وأضاف أن إعادة تشغيل عجلة الإنتاج يجب أن يتم بصورة تدريجية، من خلال توفير الخدمات الأساسية بالحد الأدنى من العاملين في الفترة الحالية، انسجاما مع جهود الحكومة في مكافحة جائحة فيروس كورونا العالمية، مشيراً إلى ضرورة توفير ما يضمن سهولة وسلامة الحركة والانتقال إلى أماكن العمل، وانسياب المواد الأولية ومدخلات الإنتاج، وتسهيل تزويد الأسواق بالسلع المختلفة.
وأوضح أنه بات لزاما إعادة النظر في بنود الموازنة العامة بما يضمن توجيه الموارد نحو الاستخدامات الضرورية فقط، وإصدار ملحق للموازنة العامة الحالية، مؤكدا ضرورة اتخاذ إجراءات لتوفير السيولة للمنشآت الاقتصادية لتتمكن من ممارسة نشاطها الإنتاجي، وتحفيزها للمحافظة على العاملين.
ورأى رئيس غرفة التجارة الدولية بالأردن، محمد عصفور، أن الطريقة المثلى ليعود الاقتصاد إلى وضعه الطبيعي على الأقل تكمن بالتعاضد بين القطاعين العام والخاص، وبذل قصارى الجهود الممكنة، للتخفيف من تبعات الأزمة، مشيراً إلى التركيز على القطاعات الحيوية المختلفة والتي تشكل مع بعضها وحدة واحدة حتى نصل لنتائج مرضية.
وأشار عصفور إلى أن الأردن واجه جبهات اقتصادية عديدة، وتخطاها جميعها، وبالتالي "نحن نمتلك القدرة على التغلب على المصاعب مهما كانت".
ووصف الخبير الاقتصادي، الدكتور يوسف منصور، الوضع الاقتصادي الذي تمر به المملكة والعالم حاليا بــ "غير الطبيعي"، مشددا على عدم جدوى التقيد بالمبادئ الاقتصادية التقليدية ووجوب اللجوء إلى تفعيل السياسة النقدية التي تعد خط الدفاع الاقتصادي الأول لمواجهة تداعيات جائحة فيروس كورونا.
ودعا الدكتور منصور، البنك المركزي إلى التدخل "كحاكم"، وتفعيل المواد القانونية التي تحمي الشركات لاسيما الصغيرة والمتوسطة.
وتنص المادة 43 من قانون البنك المركزي على أن يصدر للبنوك المرخصة ومؤسسات الإقراض المتخصصة باستثناء البنوك والمؤسسات المالية المرخصة للعمل بالاستثمار وفق الشريعة الإسلامية، أوامر تنشر في الجريدة الرسمية وبوسائل الإعلام الأخرى، يحدد فيها الحد الأدنى والأعلى لمعدلات الفوائد التي تتقاضاها البنوك المرخصة ومؤسسات الإقراض المتخصصة على تسهيلاتها الائتمانية التي تمنحها للعملاء وذلك دون التقيد بأحكام أي تشريع أو نظام آخر يتعلق بالفوائد أو المرابحة.
كما يحدد الحد الأعلى والأدنى لمعدلات العمولات التي تتقاضاها على تسهيلاتها الائتمانية وإدارة حسابات العملاء وعلى خدماتها لهم، إضافة إلى الحد الأدنى والأعلى لمعدلات الفوائد التي تدفعها البنوك المرخصة ومؤسسات الإقراض المتخصصة على الودائع لديها.
وشدد مدير عام جمعية البنوك في الأردن، الدكتور عدلي قندح، على ضرورة استكمال العمل بكل همة للسيطرة التامة على فيروس كورونا ومنع انتشاره أو دخوله مجددا للبلاد، من خلال وضع إجراءات دقيقة لفحص الداخلين ومنع من يحمل المرض من غير الأردنيين من دخولها لفترة لا تقل عن المدة الكافية التي يعلن عنها العالم أجمع سيطرته الكاملة على الفيروس.
وأشار إلى ضرورة الاستمرار بالسماح للبنوك وشركات الصرافة بالعمل الجزئي والسماح لشركات التأمين بالعمل بالحد الأدنى ورفع درجة الحظر عنها تدريجيا لتتماشى مع حركة وتوسع الطلب المستقبلي الناجم عن عودة النشاط الاقتصادي التدريجي من القطاعات الاقتصادية التي ستعود لممارسة نشاطها.
ودعا الدكتور قندح إلى البدء بإنشاء حزمة دعم لتمويل القطاعات التي تأثرت بالأزمة.
وأشار إلى ضرورة العمل على الاستمرار بتدفق الأجور والرواتب لأصحابها بالوسائل والطرق المتاحة والمبتكرة، مقترحا الصرف للأسر الفقيرة وعمال المياومة والقطاعات الأخرى التي تضررت من حسابات التعطل في مؤسسة الضمان الاجتماعي وصندوق المعونة الوطنية وصندوق الزكاة والجمعيات والمنظمات الخيرية وصناديق التبرعات المقدمة من شركات القطاع الخاص ومن خلال إنشاء صندوق خاص من الأردنيين المغتربين بالخارج.
وشدد الدكتور قندح على ضرورة استعادة حركة عجلة الانتاج بالتدريج، جغرافيا وقطاعياً، وذلك في المحافظات والمناطق التي يثبت خلوها من فيروس كورونا، بالقطاعات الاقتصادية التي يمكنها العودة للانتاج دون التأثر بالوباء، وبخاصة تكنولوجيا المعلومات والصناعات الغذائية والصناعات الخفيفة والإنشاءات لضمان انتقال الاقتصاد من "حالة الاستهلاك" التي دخل فيها منذ أسابيع، إلى "حالة الانتاج".
ودعا إلى إيجاد الخطط والاستراتيجيات الكفيلة للمحافظة على العمالة في القطاع الخاص من خلال دعوة الجميع للمساهمة في إيجاد سبل تمويل رواتب قطاعات محددة من العاملين في القطاع الخاص، مثل أن يبادر القطاع الخاص وكمساهمة منه في مواجهة هذه الأزمة العالمية بالعمل والانفاق من خارج الموازنات بالقدر الممكن حتى نتمكن من العودة إلى دورة الأعمال الطبيعية خلال الأشهر المقبلة.
وطالب الدكتور قندح بتشكيل فريق وطني (هيئة خبراء) من القطاعين العام والخاص ورجال الأعمال والمفكرين وأساتذة الجامعات لمساعدة مركز الأزمات في وضع الخطط اليومية والاستراتيجيات والسياسات وآليات تنفيذها لتمكين الأردن من التحرك على منحنى الموازنة بين مكافحة انتشار الوباء وإنقاذ وإنعاش الاقتصاد.
وقال عميد البحث العلمي والدراسات العليا في جامعة اليرموك، الدكتور قاسم الحموري، إن المشاكل الاقتصادية تحتاج إلى التعامل معها بالمنهجية نفسها التي تدار بها الشؤون الصحية حاليا.
وأضاف أن الاقتصاد الوطني يعاني من مشاكل عديدة، كمعدلات النمو المتدنية، ومعدلات الفقر والبطالة المرتفعة، وضعف الإنتاجية وبطء حركة التجارة الخارجية، مشيراً إلى ضرورة حل هذه المشاكل بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا تفاديا لمشاكل أخرى ترتبط بها.
وأكد الحموري ضرورة التعامل بجدية مع مشاكل الطاقة التي لطالما أرهقت الاقتصاد وعطلته عن التقدم، جراء شراء الطاقة بأسعار عالية، وتسعير المشتقات النفطية، ومشكلة الغاز، مؤكدا ضرورة البدء بتخفيض تكاليفها على الأفراد والقطاعين الصناعي والتجاري.
وأشار إلى أن المرحلة الثانية من الإصلاح بعد الطاقة، هي النقل، إذ يجب تخفيض تكاليف النقل على الركاب والبضائع، موضحا أن ذلك سيقلل من نسب البطالة والفقر، حيث سيزيد الإقبال على وظائف لم تكن مقبولة في السابق بسبب ارتفاع تكاليف التنقل من وإلى مكان العمل، كما سيزداد حجم التجارة الداخلية.
ورأى أن تخفيض تكاليف الطاقة، سيسهم في زيادة الإنتاج الصناعي، وبالتالي رفع التنافسية بين مختلف القطاعات، والتنافس مع الأسواق المجاورة على أقل تقدير.
وقال إن الفرد العادي سيصرف مما وفره من الطاقة على جوانب أخرى في الاقتصاد، الأمر الذي من شأنه تحريك العجلة الاقتصادية نحو الأمام بوتيرة أسرع.
وأكد أن ما يدعو له جلالة الملك عبدالله الثاني حول ضرورة عدم التهاون في تطبيق القانون على الجميع دون استثناء، هو نقطة أساسية للانطلاق نحو الأمام، وهو أول ما نحتاج إلى تفعيله بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا.
وأشار الدكتور الحموري إلى أن الدولة القادرة على التفوق على الدول الكبرى بإدارتها لهذه الجائحة العالمية، يفترض بها أن تكون قادرة على إدارة الاقتصاد وإخراجه من تبعات الأزمة بالوسيلة المثلى.