تجدّدت أمس الثلاثاء التظاهرات المناهضة للعنصرية في الولايات المتحدة بعد ليلة إضافية من الاضطرابات وعمليات النهب والمواجهات التي شهدتها مدن أمريكية عدة، وذلك على الرغم من تعهّد الرئيس الأمريكي بإعادة النظام العام وإن اقتضى الأمر نشر الجيش.
وبعد مرور ثمانية أيام على وفاة جورج فلويد، الأمراكي الأسود الذي قضى اختناقا خلال توقيفه في مينيابوليس على يد شرطي أبيض ضغط بركبته على عنقه حتى الموت، لا يزال الغضب العارم من العنصرية، والعنف الممارس من قبل الشرطة واللامساواة الاجتماعية في حالة غليان.
وشارك آلاف المتظاهرين من السود والبيض في احتجاج سلمي في مانهاتن، قرب مقر شرطة نيويورك، هاتفين "جورج فلويد، جورج فلويد" و"أرواح السود قيّمة".
وقال متظاهر يدرس تاريخ الفنون طلب عدم كشف هويته "لا يقتصر الأمر على رجل بريء قتل أو على عنف الشرطة"، مضيفاً "مجرّد ألا تكون أبيض يجعلك تشعر بأنك غير محترم في هذا البلد، إنّه أمر يثير الإحباط والغضب".
وعلى مقربة منه ندّد نات هوبر، وهو أسود يبلغ 27 عاما ويعمل في مكتبة، بتلويح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنشر الجيش.
وقال "يجب أن نهزمه في نوفمبر"، مضيفاً "نحن بغالبيتنا نتظاهر سلمياً، ونطالب فقط بالتغيير".
وشهدت مدينة مينيابوليس، التي انطلقت منها موجة الغضب الأخيرة، ليلة هادئة نسبياً بعد أعمال العنف التي سُجّلت مؤخرا.
وأعلنت شرطة المدينة توقيف عدد من الأشخاص لخرقهم حظر التجول.
ومن لوس أنجليس إلى فيلادلفيا تواصلت الاضطرابات لليلة السابعة على التوالي في 140 مدينة على الأقل، وأُوقف المئات وسُجّلت إصابات في صفوف قوات الأمن والمحتجين.
عمليات نهب في نيويورك
في نيويورك، تعرّض مساء الاثنين عدد كبير من المتاجر في الجادة الخامسة الشهيرة للنهب، وأعلنت الشرطة توقيف "مئات" الأشخاص.
وأعلن رئيس بلدية نيويورك الثلاثاء أن حظر التجول الذي أُعلن في المدينة بعد تظاهرات عنيفة وعمليات سرقة سيبقى ساريا حتى الاحد في السابع من يونيو، رافضا الاستعانة بالحرس الوطني.
واعتبر حاكم ولاية نيويورك آندرو كومو أن عمليات النهب "لا يمكن تبريرها". ورفض كومو نشر الحرس الوطني أسوة بمدن عدة وتلبية لتوجيهات ترامب، موجها انتقادات لرئيس بلدية مدينة نيويورك وشرطتها.
ومساء الاثنين أعلن ترامب بنبرة حازمة نشر "آلاف الجنود المدججين بالسلاح" في العاصمة وشرطيين لوقف "أعمال الشغب والنهب".
واعتبر أن الاضطرابات التي وقعت الاحد في واشنطن "وصمة عار" داعيا حكام الولايات الى التحرك بسرعة وبشكل حازم "لضبط الشارع" ووقف دوامة العنف.
وقال ترامب بلهجة تحذير "إذا رفضت مدينة أو ولاية ما اتخاذ القرارات اللازمة للدفاع عن أرواح وممتلكات سكانها، فسأنشر الجيش الأميركي لحل المشكلة سريعا بدلا عنها".
وكانت قوات الأمن فرّقت مساء الاثنين بالغاز المسيل للدموع حشدا من المتظاهرين قرب البيت الأبيض، لإفساح المجال أمام توجّه الرئيس إلى كنيسة تعرّضت للتخريب.
وخرق متظاهرون حظر التجول الليلي المفروض في العاصمة الأمريكية وعدد من المدن الكبرى.
وفي واشنطن حاصرت الشرطة حشدا من المحتجين بإطلاق القنابل الصوتية وبمؤازرة من المروحيات وأوقفت أكثر من 300 شخص، غالبيتهم بتهمة خرق حظر التجول.
"قوة ساحقة" و"سيطرة"
وتعهّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثلاثاء مجددا حفظ النظام العام غداة خطاب حازم تناول فيه الاضطرابات الأخيرة من دون إيجاد أي حل لدوافع الغضب الشعبي.
وأكد في تغريدة أن واشنطن لم تشهد "أي مشاكل الليلة الماضية"، مبديا ارتياحه لـ"التوقيفات الكثيرة. الكل أدى عملا جيدا"، مشيدا بما اعتبره "قوة ساحقة" و"سيطرة".
وأبدت رئيسة بلدية واشنطن ميوريل باوزر معارضتها أي نشر للجيش "في الشوارع الأميركية في مواجهة أمريكيين"، في موقف ردّده حكام ديموقراطيون كثر.
وتتّخذ الأزمة في البلاد التي تشهد انقساما حادا، منحى سياسيا أكثر فأكثر مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 3 نوفمبر.
والثلاثاء اتّهم المرشّح الديموقراطي للرئاسة جو بايدن الرئيس الأمريكي بأنه "حول البلاد إلى ساحة معركة مليئة بأحقاد الماضي وبمخاوف جديدة".
وخلال زيارة إلى فيلادلفيا قال بايدن إن ترامب "يعتقد أن الانقسام يفيده"، متعهّدا بـ"بلسمة الجراح العنصرية التي تدمي بلدانا منذ زمن بعيد".
وإزاء الاحتجاجات التي تشهدها مدن الولايات المتحدة، حيث فاقمت جائحة كوفيد-19 اللامساواة الاجتماعية والعرقية، اكتفى ترامب بالإشارة إلى "تمرّد" الأمريكيين في مواجهة ظروف وفاة جورج فلويد.
وأظهر تقرير الطبيب الشرعي أن فلويد قضى اختناقا جراء "الضغط على عنقه" واصفا الأمر بأنه جريمة قتل، ولو أنه أشار إلى أن أنه كان تحت تأثير مخدّر أفيوني.
ولم تسهم إقالة الشرطي ديريك شوفين الذي وجهت اليه تهمة القتل غير العمد، وتوقيفه لاحقا في تهدئة النفوس.