عندما يتبوأ المرءُ منصباً أو مركزاً معيناً يَعمَدُ إلى تعيين أو إعتماد مستشاريين له حكماء ممن امتلئت جعبتهم بالخبرةِ وَمَرَّتْ عليهم تجارب كثيرة. فالحياة لا تسير على وتيرة واحدة وليست ثابتة، بل عجلة متحركة وفيها الكثير من المتغيرات والمستجدات وتحتاج إلى الخبرة والدراية لقيادة دفة السفينة بحكمة واقتدار نحو شاطئ الأمان.
وصحيح أنَّ العلم والتحصيل العلمي هام وأساسي في حياتنا لأنَّ الحياة بدون معرفة وعلم لا تستقيم وبدون ثقافة حقيقية تفقد بريقها وقيمتها "فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"، فالجاهل عدو نفسه وعدو الآخرين وعدو مجتمعه " وقد هلك شعبي من عدم المعرفة"، ولكنّ الأهمَّ هي مقدرة الإنسان على قراءة واقع الحال من جميع جوانبه الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والنفسية والبيئية والصحية وغيرها ليقدِرَ بالتالي على الدفع باتجاه القرارات والتوجهات الصائبة التي تمكن من السير قدماً بالإتجاه الصحيح دون تعثُّرِ المسيرةِ أو إنتهائها.
وللوصول إلى ذلك لا بدّ من الإستناد إلى مشورة الحكماء والمستشارين في مجالات مختلفة متخصصة تساعد المرء على اتخاذ أهم القرارات المصيرية والمحورية في القيادة الحكيمة بناء على قاعدة معلوماتية تحليلية فكرية واستشرافية، ومن هنا جاءت "الطوبى" للإنسان الذي يسلك في مشورة الحكماء والفهماء وليس في مشورة الأشرار، "طوبى لمن لا يسلك في مشورة الأشرار" (مز 1: 1). فمثل ذلك الإنسان يكون شجرة وارفة الظلال خضراء يانعة على الدوام، تنمو بجانب ينابيع المياه العذبة المتدفقة، وورقها لا يذبل وتعطي ثمرها في أوانه، وكل ما يصنعه ينجح.
مثل هذه القيادة الحكيمة لا تكون كالعصافة التي تذريها الريح، والتي تتلاطمها الأمواج والتيارات المختلفة في كل الإتجاهات، وهي التي نحتاجها اليوم في مجتمعاتنا العربية، وهي القادرة أن تبني فكرها وقناعاتها وقراراتها بناء على قاعدة معلوماتية دقيقة وعلى فكرٍ فلسفي تحليلي، مما يساهم في إحداث النهضة المرجوة في مجتمعاتنا ومؤسساتنا المختلفة وتطويرها وتنميتها لتكون قادرة على الاستمراريةِ بأقصى طاقات العطاء والتميّز.