صحفية وباحثة اكاديمية في قضايا حوار الحضارات والأديان.
_ بداية: كيف تقدم لنا الباحث الجزائري عمر طرواية نفسه؟ وخلاصة ما عاشته من تجارب للقراء والمتابعين؟.
- هو باحث جزائري من مواليد 11 أفريل 1990 من مدينة أدرار، وخريج من جامعة تلمسان (الجزائر) بشهادات الليسانس،فالماستر، فالدكتوراه تخصص فلسفة. هذا الميدان فتح لنا أفاق كبيرة ولا زال يحفرّنا على محاولة فهم معمق لقضايا ومشكلات العلوم الإنسانية المتنوعة والمختلفة، خاصة تلك المشكلات التي ارتبطت بعالمنا العربي والإسلامي قديما وحديثا وانعكاساتها على الواقع المعيش.
_ قديما خاصة بعد نكسة حزيران 1967 كان للمفكر العربي دور كبير في تفعيل الحراك السياسي والشعبي، بماذا تفسر التراجع الرهيب لدور المثقف العربي في الحراك السياسي العربي بعد الربيع العربي؟.
- المثقف أو المفكر العربي هو ابن زمانه، حضوره أو غيابه في المشهد السياسي –على وجه الخصوص- تفرضه طبيعة السلطة السائدة ومدى درجة الوعي المجتمعي الذي يعيش فيه، فبدء من ستينيات إلى غاية ثمانيات القرن الماضي، كان هناك حضور حقيقي في اعتقادنا لشخصية المثقف بمعنى الكلمة. فمن جهة ظروف النهضة العربية على الصعيد الثقافي والفكري التي شهدتها الفترة أظهرت فئة مثقفة كانت لها ( الجرأة النقدية ) في مجابهة كل من يعترض طريق الحرية والتحرر والوحدة العربية، ومن جهة أخرى أن الأفكار النهضوية التي ترجمها هؤلاء المثقفين في خطابتهم وكتبهم لاقت رواجا وترحيبا كبيرا داخل مجتمعاتهم بل كانت أفكارا ملهمة للعديد من الشعوب العربية آنذاك – بالرغم من وجود بعض الضغوطات والعقبات من طرف السلطة – مادام كان الهم واحد والمصير موحد. لكن وللأسف الشديد هذا الحماس الإيجابي والتعبئة الشعبية العربية مع الجيل السابق، انطفأت شمعته وتلاشت قوته مع الآونة الأخيرة وخاصة كما أشرتم بعد الربيع العربي. وهذه لوجود أسباب عديدة ومتداخلة فيما بينها، في رأينا منها ما كانت أسباب خارجة عن نطاق المثقف العربي – وهذا ما يظهر للعام والخاص- وتمثلت في تخاذل الحكومات العربية وتقهقرها وأصبح أغلب حكامها أشبه بدمى تٌحرك من الأعلى ( لوبيات تخدم القوى الاستعمارية) وتوجهها كما تشاء وكيفما تشاء، حتى لو تطلب الأمر على قتل وتشريد واغتصاب نصف شعب لفعل ذلك وقد فعل البعض، لأنه تبرمج هذا الحاكم ( الأعمى في بصره وبصيرته) على أن الكرسي الذي يجلس عليه أغلى وأشرف من إرادة شعبه. ومن هذه الأسباب ما يتحمل مسؤوليته المثقف العربي الذي انساق الكثير منهم وراء شعار " أنا وما بعد الطوفان" وسقطوا بعدها في فخ "الأيديولوجيات والشعبوية المقيتة" وما لبثوا أن وجدوا أنفسهم يحملون أسماء جديدة وأوسمة رفيعة [ في خيالهم] بمباركة استعمارية يتلوها عليهم حكامهم في البلاط، أقصد بذلك اسم " المثقف المنتمي" بلغة أنطونيو غرامشي.
_ الحركة النقدية العربية تشهد تهافتا كبيرا على منجزات النقد الغربي لكن يشوب تلك العملية حركة انبهار بل وتلقي دون غربلة أو مراعاة للخصوصيات الحضارية والثقافية التي أوجدت تلك النظريات ما قراءتكم لذلك؟.
- الاستفادة من منجزات النقد الغربي نراه أمر عادي خاصة تلك التي تحمل في طيّاتها "ثورة فكرية " لا تعرف حدود جغرافية أو زمانية. لكن الأمر الذي يشوه العملية وينقص من قيمة الحركة النقدية العربية هي إذا كانت مجرد ناقلة ومقلدة دون تمحيص أو مراعاة للخصوصيات الحضارية والثقافية، أو على الأقل ينبغي أن تكون هناك عملية ( تبيئة للمفاهيم ) كما دعا إليها المفكر المغربي محمد عابد الجابري في مشروعه " نقد العقل العربي" . وأعتقد أن من انتهج وينتهج هذا الأسلوب غير السليم يعود إلى مخلفات وعوامل الانتكاسة الثقافية للمفكر العربي – كما أشرنا إليها سابقا – والاستقالة الجماعية من رتبة " المثقف اللامنتمي".
_ عديد من المفكرين العرب كمحمد أركون بالجزائر وعابد الجابري بالمغرب الشقيق إلى جانب نصر حامد أبو زيد بمصر حاولوا تقديم رؤية جديدة للتراث من خلال قراءة مغايرة عما هو سائد من خلال مناهج فلسفية غربية وهو ما أحدث ضجة كبيرة بالأوساط الثقافية العربية وصلت حد تكفيرهم ما تعليقكم على ذلك؟.
- إن مشكلة الأصالة والمعاصرة أو التراث والحداثة كانت من بين الإشكاليات الرئيسة في الفكر العربي المعاصر، والتي أحدثت شرخا وهوة كبيرتين بين المثقفين والمفكرين العرب، حتى أصبحت (العائلة الواحدة) مقسمة إلى جبهات وأنصار متعارضة فيما بينها وصل بهم الأمر إلى حد التناحر والتلاسن غير المؤسس على دليل مقنع- في أغلب الأحيان- بسبب تمسك كل جهة بإيديولوجية معينة تحمل العداء الدفين للجهة المقابلة، فمن سموا أنفسهم أصوليين لا يعترف بمن حمل على عاتقه الأفكار التغريبية، والتغريبيين لا يقبل بأي رأي أو فكرة تعارض مشروعه الفكري، وهناك من حمل اسم "التنوير" في مشروعهم الثقافي وما لبث أصحابها حتى اختلفوا فيما بينهم حول من تنويره أحق وأولى للمجتمع والواقع العربيين وهكذا دواليك. وحتى لا ندخل في اللعبة السياسية القديمة الجديدة والتي يستعملها الحكام والسياسيين في شيطنة الساحة الثقافية، يمكن القول أن النماذج التي ذكرتها وأمثالهم من المفكرين العرب المختلفة إيديولوجياتهم وفلسفاتهم الثقافية لهم ما لهم وعليهم ماعليهم، ولا ينبغي أن نحكم مباشرة على مشروع فكري ظاهريا، لأن ليس كل ما هو آت من ثقافة ما وراء البحر ترفض رفضا كليا وإنما تخضع لعملية "النقد البناء " يُأخذ ما يُصلح ويتناسب مع الثقافة المحلية ويصحح أو ينبذ ما عدا ذلك، وفي الوقت نفسه على المثقف الذي يسعى جاهدا أن يدخل بعض المناهج الفلسفية الغربية داخل الثقافة العربية الإسلامية أن يكون بحق مجددا ومؤمنا بفكرة الرقي بالعقل العربي إلى الأفضل، وهذا في نظرنا لا يتحقق بصورة مكتملة إلا إذا ابتعد على فلسفة الإقصاء والتهميش للطرف الآخر مهما كانت فكرته ومذهبه الفكري، فالقاعدة تقول: الفكرة تناقش والرأي يحترم.
_ هل بالإمكان إيجاد نوع من المقاربات التّثاقفية الجديدة الجامعة بين الثّقافتين العربية والغربية لحل الجدل الدائر بين بنية العقل الشرقي والغربي من خلال تشاكل ثقافي كوني جديد بعيدًا عن سلطة المركزية الغربية؟.
بالطبع يمكن ذلكـ، فلا يوجد "مستحيل" في عالم يسوده"النسبي والتغير" على مستوى الوجود البشري وحدود المعرفة. والقضاء على فكرة (المركزية) لا أقول الغربية فقط وإنما كلا الجهتين ( العقل الشرقي والغربي معا)، وهذا عندما نضع إشكالية ( الأنا والآخر) في إطارها الصحيح والمعقول وتجسد على أرض الواقع ولا تكون مجرد "خطابات عاطفية " داخل قاعات الجامعات أو المؤتمرات الدولية، وهو أمر كائن للأسف الشديد في الكثير من المناسبات.
_ ما مدى قدرة النقاد العرب على إيجاد نظرية نقدية عربية أصيلة تمتاح من النظريات النقدية الغربية ومصطلحاتها وكذا التراث العربي الأصيل من خلال كتابات رواد النقد العربي القديم أمثال عبد القاهر الجرجاني وغيره؟.
- في حقيقة الأمر، عملية التأسيس لنظريات "نقدية عربية خالصة " في وقتنا الحالي يمكن أن نصنفها ضمن خائنة ( السهل الممتنع). وهذه ليست نظرة تشاؤمية منا، ولكن الواقع المستجد هو الذي يجعلنا (نتخذ هذا الموقف)، وكل هذا راجع إلى عدّة أسباب ذكرنا بعضها في إجاباتنا السابقة؛ من الجو السياسي المضطرب في أغلب أقطار الدول العربية، وتأثيره السلبي على المشهد الثقافي ، إضافة إلى ذلك طبيعة ( الوعي المجتمعي) الذي تغير كثيرا على ما كان سائدا مثلا في ستينيات القرن الماضي. فأبسط مثال يمكن أن نقدمه هنا هي مشكلة (المقروئية)، فكلنا ندرك تلك النسب المخزية والمخيفة التي أصبحت تشهدها أمة اقرأ في مجال القراءة، وأي قراءة؟ وما هي الميادين التي يتوجه إليها القارئ العربي المعاصر؟ وكم المدة المستغرقة للقراءة؟ وووو. أردت أن أقول من كل هذا الكلام ، هو أن الحديث عن ( نظرية نقدية عربية) تستدعي وجود كتّاب ومفكرين حقيقيين غير مؤدلجين، يعيشون وسط مجتمع على الأقل نصفه يكون ذو مستوى واع يحتضن ويحمي ويدّعم هؤلاء النّقاد، لكي يكون هناك مجتمع مثالي يقدّر هاته المشاريع الفكرية ذو الطابع الأصيل في مضامينه وفي مصطلحاته.
_ ما السبل والأدوات الكفيلة لتحقيق انوجاد نظرية نقدية عربية عالمية، تعبر بشكل خاص عن خصوصيات وهوية النقد العربي الأصيل ببعديه الجامع بين الثقافتين العربية والغربية؟.
- أعتقد أن الجواب عن السؤال قد أشرنا إليه في السؤالين السابقين، فالسبل والأدوات التي تساهم في تحقيق نظرية نقدية عربية عالمية، ليست بالصعب الإتيان بها أو تأسيسها وإنما المشكل الأساس الذي ينبغي أخذه بعين الاعتبار هو الاهتمام أولا بالوعي الذي يسعى لذلك ويكون منفتح على جميع الآراء والأفكار- سواء كانت محلية أو عالمية - حتى يجد الأرضية المناسبة لخلق هذه الوسائل الناجعة؛ حتى يمكن القول هناك ( ثقافة عربية حقيقية مؤسسة على نظرية نقدية أصيلة).
_ يحذر المفكر صمويل هنغتون الغرب من تبعات اتحاد الحضارة الكنفوشيوسية مع الحضارة الإسلامية كباحث عما ينم هذا الخوف الغربي من هذا الاتحاد وما قراءتكم المستقبلية لتبعات هذا الاتحاد وآثاره على العالم بعد بعد انتهاء أزمة كورونا؟.
- كمثل هذه المواقف لهنتغتون وأمثاله لا تعبر عن جميع مواقف المفكرين الغربيين، فحسب كلامكم نراه "موقف عنصري" مواصلا لتلك المواقف الاستعمارية، ينطق بها بعض السياسيون والعسكريون هناك ويباركها هؤلاء المثقفين "المنتمين"، لتبقى دوما تلك النظرة الاستعلائية لهم في مقابل النظرة الدونية للعالم الإسلامي. لذلك لا اعتبره "خوف" ولكن هي " لعبة سياسية خبيثة" مرجعيته الصراع الكلاسيكي بين المعسكر الشرقي (الاتحاد السوفياتي) والمعسكر الغربي ( الإمبريالية الغربية)، أما عن تبعات هذا الإتحاد فصراحة أصبحنا لا نبتهج كثيرا بهاته الخطابات والمشاريع – وخاصة مالم تتجسد على أرض الواقع- التي نسمع منها نسخ كثيرة في الإعلام المحلي والعالمي ولكن في نهاية المطاف أغلبيتها هي مجرد "جعجة بدون طحين"، وبالتالي نحن نثمن أصحاب المبادرة ولكن قراءتنا المستقبلية لها تبقى بين قوسين ويعلق الحكم عليها.
_ دعوات تجديد الخطاب الديني مطلب العديد من الدول الغربية ..إذا كنا فعلا بحاجة لذلك فلماذا الاقتصار على الخطاب الديني الإسلامي فقط دون المسيحي أو غيره في منطقتنا العربية ؟
- فكرة " تجديد الخطاب الديني" أراها ليست بعيدة أو خارجة عن دائرة الخطابات التي تستهدف العواطف قبل العقول. ولكي لا يساء الفهم من كلامنا: أقصد بأن العديد من الأفكار والمصطلحات التي تذاع هناك وهناك بين أوساط مثقفينا ومفكرينا ينبغي أن يعاد النظر فيها أو إعادة صياغتها من جديد حتى يتضح مبناها ومغزاها في آن. شأنها شأن ( الخلافة الإسلامية، الأصولية، الدعوة الإسلامية، وغيرها ...). صحيح كلنا نأمل بوجود "حوار ديني عالمي مميز" بدون وجود مركزية لأي طرف، وفي الوقت نفسه نأمل أيضا إلى الرقي بالوعي الديني في مجتمعاتنا لتحقيق المصالحة مع ذواتنا أولا ومع غيرنا ثانيا. فما الغاية من السعي إلى تجديد في الخطاب الديني وهناك اختلال في التوازن العالمي من جهة، والصراع المذهبي والطائفي عندنا لم توضع أوزاره بعد بشكل نهائي من جهة أخرى؟. لذلك نعتقد أن هناك ما يسمى بنظام "الأولويات " ينبغي السير وفقه في تحقيق بمثل هذه المشاريع وأن تجسد بعدها على أرض الواقع حتى لا نعيش الحياة الفكرية كلها خداع في خداع، فقد لدغنا في الجحر أكثر من مرتين.
_ انتشار ما يعرف بالشيخ الكوول وتوافد الشباب العربي على إتباع هذا النوع من الدعاة كعمرو خالد و مصطفى حسني إلى أي مدى ترون هذا النوع من الدعاة أسهموا في تفعيل الحركة الإصلاحية والدعوية بالوطن العربي؟
- هؤلاء الدعاة وبعض الشيوخ الذين يقدمون "صورة الإسلام" بطريقتهم الخاصة، أراهم لا يختلفون كثيرا عن المفكرين والمثقفين في الوطن العربي، فأنا هنا لا أنقص من قيمة أحدهم - لأنني حقيقة لست أتابعهم باستمرار منذ مدة- ولست قاضي لأتهم شخص وأساند الأخر. فأغلبيتهم بدايتهم كانت مشرّفة نوع ما لأنهم عرفوا كيف يصلون إلى قلوب الشباب العربي والإسلامي وبطريقتهم المعاصرة ( في زمن التكنولوجيا والمعلوماتية) وقد غيّروا طريق الكثير منهم نحو طريق الهداية، وهذا أمر يمكن أن يتفق معنا العديد من القرّاء للحوار. لكن مع الآونة الأخيرة وخاصة عندما اندلعت أحداث "الثورة البريئة"[ ولا أقول الربيع العربي] تغيّرت شخصية وصورة العديد من هؤلاء الدعاة والشيوخ، والواقع يبين ذلك، فالكثير منهم أصبح يتكلم عن السياسة – داخل برامجه الدينية أو يظهر في برنامج جديد- يعارض طرف ويؤيد الطرف الآخر، فضلا عن البعض من سُجن أو اختفى أو تعرّض لمحاولات اغتيال ...الخ. حتى أصبحنا لا ندرك من هو شيخ البلاط أو خارجه ويقول الحق ويدافع عنه أو العكس، بالرغم مما نراه ونشاهده في وسائل التواصل الاجتماعي من مقاطع فيديو تظهر بعضهم بالأمس كان لا يتكلم إلاّ في حدود المجال الذي ينتمي إليه ولا يخلط بين الدين والسياسة واليوم أصبح يتكلمون في كل شيء وعن كل شيء. وباختصار: أرى أن الداعية الحقيقي والذي يريد إلاّ الإصلاح في مجتمعه وعالمه العربي أن يلتزم بما عاهد به نفسه وربه – حتى وإن وُضع على رقبته السكين- ولا يقول إلاّ الحق ويظهر الباطل في كل الأحوال والظروف مادام أنه حمل المسؤولية وأمانة الأنبياء والرسل وإن كان العكس فيكبرون على أنفسهم أربعا و ياريت يفعل الكثير منهم في زمن صفقات وصفعات القرن وعلى طاولات التطبيع.
_ ينتشر في عصرنا اليوم ما يعرف بالفن الصوفي خاصة في تركيا ما قراءتكم لذلك وما علاقته بالتحولات الاجتماعية التي يشهدها المجتمع التركي وتأثيرات ذلك عمى التطور الحضاري للدولة التركية في علاقتنا بالحضارة الإسلامية والغربية باعتبارها موطنا لتلاقي مختلف الحضارات؟.
- ظاهرة الفن الصوفي – وخاصة الذي يسعى أصحابه من خلاله إلى تحقيق السلام العالمي- ظاهرة عالمية قد توسعت وانتشرت اليوم في العديد من ثقافات شعوب العالم عندما كان محصورا في بيئات ثقافية معينة. وإقبال الشعوب عليه بهذه الدرجة راجع إلى تلك المعاني والأفكار الروحية المتجلية في تجارب وكتابات كبار الصوفية على غرار محي الدين بن عربي، وجلال الدين الرومي، ورابعة العدوية، والحلاج وغيرهم. بغض النظر على تلك النقاشات والسجالات التي مازالت حاصلة بين بعض الأطراف وفي مقدمتهم الفقهاء في مجابهة أهل العرفان، والذي نراه صراع وسجال "مؤدلج بإمتياز" يخدم مصالح معينة لا يسعنا المجال الكلام عنه وحتى لا نخرج عن مضمون سؤالنا. حيث قدمت فيه نموذج " الشعب التركي" والذي ظهر فعلا في بعض عادات مجتمعاتهم المحلية، إن لم أقل أغلبيتهم، الأثر الروحي الصوفي ومنهجهم التربوي في إعداد الفرد التركي منذ الصبا. وكيف لا، وصاحب "رسائل النور" بديع الزمان سعيد النورسي الذي كان بمثابة الأب الروحي ومن بين الشخصيات الدينية البارزة التي عرفت كيف تعيد روح الإسلام في المجتمع التركي عندما اشتد الصراع آنذاك بين الحق والباطل وكادت الهوية الإسلامية أن تختفي نهائيا لولا حفظ الله والهمة العالية التي كان يمتاز بها بعض الرجال المخلصين لأستاذهم المصلح النورسي. وبالرغم مما قيل ويقال عنهم، فنحن هنا نتكلم عن الجانب المضيء في حركتهم الإصلاحية والتي أحدثت "تنويرا حقيقيا" داخل المجتمع التركي وزادت من ازدهار الثقافة التركية، بعيدا عن الخطاب الإعلامي والسينمائي الذي شوّه حقيقة ذلك، ونحن للأسف بعض شبابنا المعاصر سواء كانوا ذكورا أو إناثا انسلخوا وراء هذا الزيف الإعلامي وظل يقتات منها القشور معتقدا بأن ذلك هو الجوهر الحقيقي للثقافة العثمانية.
_ في نهاية حوارنا الشيق هذا، نطرح عليكم سؤالا أخيرا وهو ماهو تصوركم للجزائر والوطن العربي بعد خمسون سنة كيف ستكون؟.
- حقيقة أنه سؤال محرج نوع ما، ويحتاج إلى تأمل وفهم عميق لواقعنا المحلي أولا ومن ثم تقديم نظرة استشرافية له، والأمر كذلك مع واقعنا العربي عموما. فاختلال التوازن الواضح بين ثلاثية الفرد والمجتمع والسلطة عندنا والاضطراب المستمر بينهم جعل الرؤية متعذرة والنتيجة – بالمفهوم العلمي- غير قابلة للتحقق. فمن منا كجزائريين كنا ننتظر جمعات الحراك الشعبي الذي أحدث تغييرات كبيرة على المستوى السياسي والاجتماعي بوجه الخصوص؟ ومن منا كعرب كنا ننتظر صور التطبيع تصل بهذه الدرجة من المهازل والفضائح كان أبطالها حكام ودعاة وشيوخ ووو، وما أخفى أعظم؟ ففي اعتقادنا أن النظرة الاستشرافية لوطننا الحبيب وفي قلب الوطن العربي المجروح لهذه المدة نظرة صعبة وسابقة لأوانها، لكن التفاؤل موجود فكلنا نأمل العيش في أمان واطمئنان وسلام ينبت محليا لينثر ثماره عالميا، وهذا لا يكون إلاّ إذا أعدنا الاعتبار الحقيقي "للإنسان" كذات مفكرة وواعية، لتحقيق الإصلاح الديناميكي "للمجتمع" ومن ثم يمكننا الحديث عن تكيف مناسب وانسجام مع " الواقع".
_ كلمة أخيرة تعبر فيها عما يجول بخاطرك وما تود قوله للجمهور والمتتبعين ؟
- ككلمة الأخيرة، أولا أتوجه إليك أستاذة بالشكر الجزيل لدعوتكم الكريمة لهذا الحوار الشيق، والذي فتحت لنا المجال للتعبير عن آرائنا ومواقفنا عن بعض القضايا والمواضيع التي تخص واقعنا العربي الإسلامي وتحدياته ومكانته عالميا، متمنين لكم كل التوفيق والسداد مستقبلا في مشروعكم الإعلامي وفي بعده الأكاديمي، وتحية خالصة للمتابعين الأوفياء.