في العشرين من هذا الشهر وقبل ثمانيه وثلاثين سنة تم تجنيدي في الجيش العربي
كان الجيش وما زال عنواني وهويتي طيلة تلك الاعوام الطويلة وليس لي عنوان غيره ولا ارغب ان يكون لأن كل العناوين الاخرى لا ترقى الى مستواه وانني لا زلت اعشق الجيش ولم يتقاعد حبي لهُ ولائي للوطن وللجيش لا زال يملأ جسمي وعقلي وقلبي والجيش هو الملاذ المريح لمن تعود ان يرتدي اللباس العسكري مكان تشعر فيه بالهدوء ويجذبك له الحنين دوماً دون ان تشعر انه المكان الوحيد الذي تعرف فيه ما لك وما عليك عبر قواعد وقوانين و اوامر وتعليمات لا يتم اختراقها ويجب ان تنفذ وتنجز وهو المكان الذي ينشغل فيه الجميع بشكل دائم ومستمر ليس لرعاية اعمالهم التجارية او الخاصه بل ان هاجسهم الوطن ولا شيء غير الوطن واي خلل في تلك التعليمات او في تنفيذها يشعر المرء انه لم يقم بذلك فالوطن كله في خطر .
وراء كل منشأه عسكرية فهم واحترام للمؤسسيه والنظام والاتساق والمسائله والتفاني الذي يصبح جزءاً من كيانك الشخصي ليس هناك وقت لك كل الوقت للجيش تراودني ذكريات الاماكن التي خدمت بها ووقفت بها وشريط يمر بذهني لا ادري لماذا يمر ولكنني افرح به ويؤنسني من غربة التعامل مع الحياة المدنيه يذكرني بكل الذين كنت اتعامل معهم من اكبر رتبة فيهم لأصغرها ومواقف صعبه ومؤلمة واخرى جميله تداعب جفني حتى عندما اغفوا واحاديث مرت في لحظتها كقصص فردية تبادلناها ليظهر كل منا اهتمامه بمن حوله لكسب احترامهم . علاقات موده وزماله لا تمحوها الايام حتى انك في خضم الحياة المؤلمه بعد التقاعد تنظر الى الخلف ان اردت ان ترى المحطات الاجمل في حياتك افتقدت كل تلك الاشياء الصغيره التي كنت اهتم بها من التأكد من كوي ملابسي وتلميع خذائي ووضع البريه في الماء والملح عند استلامها جديده لكي تأخذ شكل جميل على الراس هاكذا كنا نعتقد ليبدو كل منا بمنظر جميل وانيق امام المرآة التي لا نهاية لها الا الافق وانني بعد ان امضيت ثلاثة وثلاثون عاماً اعترف بالفضل للقوات المسلحه الاردنية الجيش العربي وللوطن الذي اعطاني اكثر مما استحق وانا خجل من الوطن الذي لا يرتقي ما قدمتهُ له لابعد من اخمصي اقدام الوطن الا ان ما يهدئ نفسي انني حاولت ان ابذل كل ما استطيع لعلي احضى برضاه والان ومن هذا البون الشاسع من العمر حيث رؤية الاشياء بحيادية تامه لا اشعر بغير الأسف لعدم تمكني من الوفاء بحق الوطن كما يجب ... سأظل اعود الى تفاصيل الخدمة بالجيش كلما ارهقتني تعقيدات الحياه واحسست بأنني بحاجه للهروب الى سنوات لم تعرف الزيف سنوات اعود اليها كلما اجتاحتني موجة الذكريات واخيراً اقول يؤلمني جداً انني ارتدي الملابس المدنيه .