صفع ولطم وشتائم، وكلام منفّر ومعيب، والفاظ تبعث على الأسى والألم، وتداول لمضامين هابطة المستوى، وترويج لأفكار هدّامة، ونشر للاباحية والرذيلة، ومحاولات للنيل من سمعة أشخاص ومسؤولين، وتحطيم للمعنويات، وتقليل من الجهود، وفهم خاطيء للمضامين، وتصديق أبله، ومحتويات أخرى كثيرة يتم تداولها من خلال وسائل الإعلام بشكل عام، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بشكل محدد.
وبالنظر إلى المزايا الإيجابية والفوائد الكبيرة لوسائل الإعلام، ودورها الهام والحيوي في الوقت الحاضر، تبدو الحاجة أكثر أهمية من أي وقت مضى الى ضرورة تظافر جهود الركائز الأساسية التي تقوم عليها التربية الإعلامية والتي سبقتنا إليها عديد من الدول المتقدمة، والإسراع دون تسرع في تنفيذ هذا المشروع ليشمل كل المستويات والفئات المعنية.
من غير الممكن لوسائل الإعلام القيام بدورها على نحو فعّال في تنمية الوعي لدى الجمهور في مختلف المجالات الاجتماعية والبيئية والأمنية والسياسية والاقتصادية وغيرها من المجالات دون توفّر الوعي الإعلامي لدى الجمهور والإعلاميين والمؤسسات المعنية بكيفية التعامل الإعلامي الصحيح مع المضامين الإعلامية، وآلية عمل وسائل الإعلام وأهدافها وغاياتها، وطرق تمويلها، ومهارات استخدامها.
تهدف عملية التربية الإعلامية إلى إكساب الأفراد في المجتمع القدرة على التحليل وتكوبن التفكير الناقد والفهم العميق المدرك والواعي لمخاطر وآثار المحتويات والمضامين الإعلامية، ومعرفة مدلولاتها ومعانيها الخفية، وإمتلاك القدرة على تقييمها وتقويمها، وانعكاساتها على المنظومة الأخلاقية والقيمية والأمنية في المجتمع.
التربية الإعلامية تعني أن يفهم الفرد أن التعرض لوسائل الإعلام يحتاج إلى مهارات، وإلى وعي عميق، فهي ليست عملية سفسطة أو فسفسة كلامية يمارسها الفرد من خلال الفيس بوك وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، وليست مجرد لعب ولهو وتكتكة يمارسها من خلال التك توك وغيرها من الشبكات والتطبيقات، ولا تعرّض أبله لما تعرضه شاشات التلفزيون والإذاعات المسموعة، وإنما هو عملية فكرية تعتمد على قراءة وتفحص وانتقاء المضمون الإعلامي وتحليله بوعي وذكاء.
التربية الإعلامية تعني أن يكون الفرد على علم ودراية بأن الرسالة الإعلامية لها آثار سلبية وأخرى ايجابية، وأن الإعلام يستخدم من قبل بعض الجهات كأداة للهدم والتخريب، وبعضه يمارس لتنفيذ أجندات معادية وحاقدة، فهو ليس مجرد صناعة تهدف إلى الربح المادي، وإنما عمل مخطط ومدروس له أهداف كثيرة بعضها ايجابي وجلها ذو طابع خبيث.
التربية الإعلامية تعني أن يتعدى دور الفرد من مجرد مستهلك ومتلقي للمحتويات الإعلامية التي يتعرض لها يوميا بكم هائل، وعلى نحو عشوائي فوضوي، إلى القيام بأدوار أخرى كالمساهمة بإعداد وانتاج المحتوى والمادة الإعلامية التي تتوافق مع مبادئه وقيمه وعاداته وأخلاقه، والابتعاد عن المحتويات الهابطة التي لا تتناسب مع الذوق العام، وهذا يتطلب بالضرورة تنمية مهاراته على استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، ومعرفة آلية عمل هذه الوسائل، وزيادة قدرته ومهاراته الرقمية، ومعرفة ما وراء الكلمة والصورة من مدلولات ومعاني.
التربية الإعلامية إحدى الوسائل والطرق التي من خلالها نشجّع الشباب على الحوار الهادف وتنمية أساليبه، وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة لديهم، وهي أداة للارتقاء بمستواهم الأخلاقي، وتعزيز انتمائهم الوطني، وبناء الاتجاهات الصحيحة لديهم، وتنمية قدراتهم على تمييز الغث من السمين، ليكونوا قادرين على العيش في بيئة إعلامية تمتاز بالوعي والنضوج.
التربية الإعلامية تعني أن نرتقي بالمحتويات والمضامين الإعلامية لتلامس حاجات الوطن والمواطن، وأن نصبغ الرسالة الاعلامية بصبغة أمنية من أجل المحافظة على أمن الوطن واستقراره، والمحافظة على منجزاته، والدفع بمسيرته وتقدمه.
التربية الإعلامية بمضمونها الذي طرحته الحكومة، كانت مديرية الأمن العام قبل أكثر من عقد من الزمن قد سبقت وتنبهت لأهميته وضرورته عندما خاطبت وزارة التعليم العالي أكثر من مرة لإدراج مادة الإعلام الأمني ضمن الخطط الدراسية لطلبة الإعلام في الجامعات، وتضمين مادة العلوم العسكرية لمحاضرات من هذا النوع وبهذا المضمون، بهدف زيادة الوعي الإعلامي لدى الطلبة، والعاملين مستقبلا بهذه المهنة، وبما ينعكس على المضامين التي تنتجها وسائل الإعلام لإثرائها بالمعارف والمعلومات والأخبار المسؤولة كي تكون قادرة بشكل أكبر على محاكاة مصالح الوطن وأمنه.
من المأمول أن تكون التربية الإعلامية من أكثر المواد الدراسية جذبا وتشويقا وفائدة للطلبة على مستوى المدارس والجامعات، ومن أكثرها قدرة على إثارة الاهتمام، وإثارة النقاش والحوار، وأكثر إنعكاسا على سلوكهم وأخلاقهم بشرط أن تتوفر لها البيئة المناسبة، والكفاءات العلمية القادرة على أن تجعل منها ميادين وساحات للفكر والحوار الهادف البنّاء.