كثيرة هي الكلمات التي كتبت في الكرامة ،ارضا ومعركة ونصرا وشهادة ومفهوما وثابتا من ثوابت الشخصية الوطنية الأردنية ، بكل مفاصلها وحيثياتها وميزاتها ، ومع كل ذلك فإننا لا نعتقد أننا قد اكملنا دراسة وتحري وتحليل كل فصول نصرها ، وشهادتها واستبسال قادتها وجنودها ، واستيعاب أحداثها واختزال مضامينها ومدلولاتها .
فما ان نفتح كتاب تاريخنا ، حتى نسمو الى اعلى الاعالي ، فها هي الكرامة ، وقد نقش نصرها ، واسماء شهدائها في كتاب مجدالوطن ، فالكرامة كانت اكبر من مجرد معركة، بدأت بهجوم غاشم على الأردن ، وانتهت بدحر ذلك الهجوم .
بعد تسعة أشهر حملت فيها امتنا العربية مرارة هزيمة جيوشها مجتمعه في حرب حزيران 1967، جاءت الكرامة ، لتكون وكانها نقطة البداية ، ولتجذر لما بعدها من مراحل .
فكانت الكرامة ، وكان نصرها ، وكان يوم الشهادة ،كانت الكرامة اردنية المولد ، هاشمية الانتماء ، عربية الامتداد ، دوليه الأبعاد، أثبتت ولادتها أن الأرض الأردنية . لم تزل تنجب الانتصارات من مؤتة واليرموك وحطين وحتى الكرامة الخالدة بخلود موقعتها وارضها ونجيع دماء فرسانها .
في الكرامة كان ايمان الحسين -رحمه الله - بجيش الكرامة بعد هزيمة حزيران ، ايمان قائد بجيش قوي سار على بركة الله ، فجنودها ايقنوا بان النصر والشهادة حليفهم ، فهم من وضعوا ارواحهم على اكفهم ، وعاهدوا الله والوطن ، بأن النصر سيكون حليف هذا الجيش والمصطفوي ، وسيكون باذن الله وبطموحات رجالاته ، خسارة كبيرة لجيش أعتقد الأردن لقمة سائغة ، فكانت اللقمة هي الغصة التي أوقفت نهمه ، ودفعته إلى مراجعة مشاريعه التوسعية ، امام عنفوان الجيش العربي ، الذي ايقن رماته بان الموت طريق يفتح الافاق واسعة لحياة اخرين .
في الحادي والعشرين من آذار عام 1968 استبسل النشامى ، في الوقت الذي اعتقد فيه الكثير من المراقبين ، ان معركة الكرامة قد انتهت ، كان الرد الأردني واضحا ، بأن المعركة لم تنته، بعد بل انتهى فصل من اقصر و أروع فصولها ، فصل لم يستمر اكثر من خمس عشرة ساعة ، حطم خلاله الأردنيون الصخرة التي كانت جاثمة في طريقهم، وانطلقوا بعدها يروون للعالم ملحمتهم في البناء والحفاظ على مكتسبات ونصر الكرامة ، ملحمة كان من فصولها ، تطوير القوات المسلحة ، و رفدها بالعدة والعتاد، حتى غدت القوات المسلحة الأردنية قبلة الباحثين عن التدريب العسكري المتطور، فصلا يقول فيه الحسين" لقد عشت اصنع هذا الجيش بدمي وعزمي وشبابي ، كاعز شي ، حتى وصلت به إلى القمة ، عدة وعتاد وتنظيم وشجاعة وأقدام" .
فما ان كانت المواجهة العسكرية لغة التخاطب السائدة بين دول العالم في أواسط القرن الماضي ، كانت سهول الكرامة وجبال البلقاء شاهدة على أنهم قد حاز وا قصب السبق في هذا النوع من الحوار ، ولما تبدلت لغة الحوار في اواخر القرن الماضي لتحل الدبلوماسية، محل الحسم العسكري ، ويكون للكلمات السياسية فعل اعتى الجيوش ، وتكون غرفة المفاوضات المغلقة ساحة الصراع الملتهبة ، عاد الهاشمييون ليثبتوا للعالم أن لهم القدح المعلق في حوارات التسعينيات ، وغير بعيد عن الكرامة كان وادي عربة شاهدا على ذلك الزمان، وفي القرن الحادي والعشرين عاد الهاشمييون ليؤكدوا امتلاكهم لأدوات الحوار في عصر العولمة ، فكانت جولات جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في عواصم العالم ، و لقاءاته مع رجال الأعمال فيها، وجلبه للاستثمارات من جميع أنحاء العالم ، شاهدا على حكمة القائد ، وغير بعيد عن ساحة الكرامة أيضا ، كان البحر الميت ساحة لهذا النوع العالمي من الحوار .
ليبقى الأردن أرض الكرامة ، ساحة فسيحة تصهل فيها خيل الكرامة ، يمتطي صهواتها فرسان الكرامة، ورثة الرسالة الإسلامية السمحة ، والثورة العربية الكبرى ، فرسان بني هاشم الذين ما كبا لهم جواد في معركة الكرامة، والعزة على اختلاف ميادينها ، ومن ورائهم جيش عربي مغوار ، علم في الكرامة الدنيا دروسا في الاقدام ، والاغارة ، وبان الحرب سجال، ومن ورائهم شعب أصيل ، يرى في الكرامة منهج حياة ، أكثر من كونها مجرد حدث احتفالي بمعركة دحر فيها جيشهم غزاة حاولوا النيل من هذا الوطن ، ومقدرات جيشه ، فكان للنشامى في ذاك اليوم وقفتهم المشرفة ، وقد حطموا أسطورة الجيش الذي لا يقهر ، فكان النصر حليفهم ، وكان لرجالاته الشهادة، وقد رويت الارض بنجيع دمائهم العطر ة ، الذي انبت مع مرور الايام انجازات كانت الكرامة ونصرها المؤسس والاساس الصلب لها.
التحية لروح قائد الكرامة ، ولجنود الكرامة من كافة الرتب ، الذين قضوا نحبهم ، وكتبوا عند الله شهداء، والتحية الى الذين اصيبوا في الكرامة ، وحملوا جروحهم اوسمة يفاخرون العالم بها، التحية الى تلك الفتية الذين ناضلوا ورسموا نصر الكرامة ورسخوا لانجاز ات وطن الذي ما ان سألناه عن انجازاته وتقدمه اشار لكل اسم من اسماء ابطال الكرامة بالبنان .