هل تذكرين يا نبض قلبي حين كُنا نعيش تحت سقفٍ واحد نجلس متقابلين على نفس الطبق نتقاسم اللقمة..
هل تذكرين صفاءَ نهر اليرموك الخالد، وكم ارتشفنا منه المياه العذبةِ التي أروت ضمئنا في أيام الحر ، حيث كان في وقتها أكبر عائقٍ أمام مجيئي إليكِ يا مهجة الفؤاد أن أعبر النهر لا أخشى سوى البلل..
واللهِ ما زال طعم البرتقال من بيارات حيفا ويافا في فمي وتحت لساني إلى هذا اليوم، وما زالت في وجداني أروقت القدس القديمة تجول في خاطري كأني أناظرها أماميَّ الآن.
هل ما زالت رائحة سجاد المسجد القبلي كما هي أم غيرتها الأزمان، وكيف الاقصى وقبة الصخرةِ هل ما زال بريقها الذهبي كما هو أم أطفى الإحتلال بريقها.
والله ما زال حديث جدي أبو العبد رحمة الله عن طوال خدمتهِ العسكرية التي أمضاها في القدس الشريف، وعن إنقلاب شاحنته التي كان يقودها في أحد الاودية في رحاب فلسطين، وكم عانى حين تكسرت أضلعه .. أتحسبين أن الألم أنساهُ حبك..لا والله .
و في وجدان جدي أبو صالح رحمة الله حين رافق والدتهُ الى القدس في ثلاثينيات القرن المنصرم لتُجري عمليةً لعينيها .. وكم كان يتغنى بأنه صلى في الأقصى عشرة أيام..
كانت أيامٌ مليئةٌ بالحب والخير والسكينة قبل أن يأتينا الغراب حاملاً في فمهِ القتل والتهجير وتقسيم الحدود.. وتفريق الأخ عن أخية .. والأم عن ولدها الرضيع ..
حين أخرج أبناؤكي من بيتهم في فلسطين ... ليسكنوا في بيتهم الثاني الاردن ..
خرجو من ديارهم، ولم يُثقلو أحمالهم؛ أملا بالعودة القريب.. لا زالت مفاتيح بيوتهم موجودة ..يتوارثوها من جيل الى جيل ..
الورد في أعتاب البيوت قد ملَّ من العطش منتظراً عودتهم التي طالت ليسقوه شربةً لا يظمأ بعدها أبدا..
طال الليل .. وإن الصبح لقريب .
كانت ولم تزل فلسطين والقدس في وجدان الاردن والهاشميين على الدوام .
وما زالت الاردن تدفع ثمناً باهظاً إزاء مواقفها تجاه مسرى الانبياء وفلسطين الحبيب، ومورس عليها أعتى أنواع الضغط للتخلي عن الوصاية الهاشمية عن المقدسات الاسلامية والمسيحية فيها.
وكم من مرة وقف الاردن فيها منفردا و وحيداً مطالب العالم بالتدخل لإنهاء معاناةٍ طال عُمرها.
أكاد أُجزم بأن جميع خطابات الملك لا تخلو من ذكرٍ للقضية الفلسطينية، فهذا شرفٌ حملهُ الاردن ملكاً وشعباً تجاه نصفهِ الذي أُنتزع منه .. وتشهد المستشفيات الميدانية في غزة وجنين وطولكرم على وحدة الحال .. ودماء شهدائنا التي سالت على أسوار القدس، ورائحة جثامين شهدائنا العطرة الندية التي تفوح لا تشهد زوراً وبهتاناً..
فما قدمناه لفلسطين ليس بكثير ولا هو بصدقة.. إنما هو واجب الاخ تجاه أخيه.