هنالك مثل روسي واظنه عالمي يقول (السياسة دائما قذرة)، وأظن ذلك صحيح لأن السياسات العالمية أصبحت سياسات مصالح ونفوذ وتبادل أدوار وتكتلات مصلحية، بعضها لتأمين وسرقة خيرات الشعوب وخصائصها الديموغرافية والجيوسياسيه وبعضها لضمان النفوذ المصلحي سياسي أو إقتصادي وبعضها ايديولوجي عقائدي وغيره…وفي كل ذلك يكمن الشيطان، إذ لم تعد الأخلاق عامل محرك للسياسات كما لم تكن من قبل..!، وإن طفى على سطح الإعلام والتسويق كذبة الدول الديموقراطية وحقوق الإنسان، فهذه أصبحت ذات وجهين تحمل التناقض الواضح، فتجد دول متقدمة توصف بالديموقراطية وحماية حقوق الإنسان للإستعمال الداخلي...!، وفي السياسات الخارجية تدعم الديكتاتوريات وتثير الحروب والنزاعات والمكائد وتشيطن المشيطن… لخدمة مصالحها، فالعالم السياسي لم يكن يوما يعيش حالة المدينة الفاضلة، وعلينا أن نفهم الدرس جيداً، ونعود لقواعدنا الأصيلة الشعوب، حيث أثبتت التجارب أن الدول التي تقودها إرادة الشعوب تنجح، والدول التي تديرها إرادة الدول الكبرى المستعمرة قديماً من خلال الجيوش والقوة الغاشمة، والمستعمرة حديثا بطرق غير مباشرة، من خلال السيطرة على القيادات واستقطابها، بحيث تنفذ سياساتها الإستعمارية وتلعب الدور عوضا عنها وغير ذلك من أساليب وطرق باتت معروفة.
في واقعة القدس وفلسطين الأخيرة إتضحت كل الأمور، ورغم كل التقارير الأمنية غربية وشرقية؛ أن الشعوب وبالذات العربية أصبحت مدجنة ولا حول لها ولا قوة، وأنها تدار بقرارات أولي الأمر…والمتنفذين، سقطت هذه الإستراتيجية واتضح أن غزة والمقاومة المغروسة بروح الشعب إستطاعت لجم إسرائيل وإيقاف غطرستها، وأرغمتها على الجنوح لطلب الهدنة من تحت الطاولة..! بعد أن صار الثمن غير مقبول وتجاوز مغامرات الساسة الإسرائيليين، وفرضت المقاومة أركان اللعبة، والمقاومة ليست دولة ولا حكومة منظمة وإنما تجمُع لقوى شعبية مقاومة للإحتلال، بأدوات ذاتية بنتها وأدارتها بكفاءة لتصنع النصر، رغم التدمير واستشهاد المدنيين فهذا بحسبانهم ولا يوجد نصر دون تضحية رغم تفاوت ميزان القوى.
البعد الثاني كان ثورة الشعب الفلسطيني والجيل الجديد في الداخل والضفة، وبقيت السلطة بعواجيزها التاريخية..! تتفرج وتنسق أمنياً ولا حول ولا قوة لها في إدارة المشهد لأنها لم تكن لتصنعه.
في البعد العربي؛ إنطلقت الشعوب العربية وخرجت للشوارع بمظاهرات الدعم التي لم تستطع الأنظمة إحتوائها وبعض الدول تماهت الأنظمة والحكومات والقوى السياسية معها لأنها تقدمت عليها.
في البعد العالمي، حدث تغيير في المواقف لصالح القضية الفلسطينية من الكثير من الساسة والبلدان المعروفة بدعمها التقليدي لإسرائيل، وخرجت مظاهرات شعبية كبرى في غالبية العواصم الغربية لنصرة فلسطين.
ولأول مرة يظهر الدور الجلي لمواقع التواصل الإجتماعي عالمياً وعربياً بقيادة الشعوب والجيل الجديد بعيدا عن الدور الركيك والمُحيّد للإعلام الرسمي.
إذا في كل ما حدث كان الدور الأول للشعوب، في صناعة الحدث وفرض معطيات جديدة غيرت قواعد اللعبة.
وهنا كان الدور السياسي للدول العربية والحكومات محدوداً جداً، وأستغرب من تداول أحاديث وأتهامات بين الكتاب والساسة والمعارضين في الداخل والخارج للحكم على دور الدول والحكومات، المقاومة والشعوب خارج السيطرة، دور الحكومات العربية إنحصر في الوساطة للهدنة، وهنا لمصر الدور الأول لأنها بجوار غزه ولانها الرئة التي تتنفس منها غزة وتتصل من خلالها بالعالم ولدورها التاريخي أيضا، إذ لا تمتلك القوى المقاومة في غزه أن تدير ظهرها لمصر، ومعروف أن معبر كرم أبو سالم هو المنفذ الثاني لغزة وشبه مغلق ومخنوق من قبل الإحتلال.
إذاً الدرس والفعل هذه المرة كان للشعوب، ولا داعي للبحث عن أدوار وأفعال هامشية مؤثرة، إلا ما اتصل بالإغاثة والإمدادات الإنسانية إذا سمح الإحتلال… !، المشهد لا يسر ولا يليق بالدول العربية، ما الحل؟ الحل أن نتعلم من هذا الدرس أن لا قوة إلا بالشعوب، والديموقراطية، وأن الديكتاتوريات وتغييب الشعوب لم تنجح يوماً، وإن طال لها الزمن، فالشعوب تنهزم لكنها لا تموت، إذا مطلوب من كل القيادات السياسية في بلداننا العربية خاصة، أن ترجع للأصل وأن نُفعل الإصلاحات السياسية التي تتيح للشعوب قول كلمتها وفعلها من خلال الديموقراطية والحكم الرشيد، وأن يعرف الغرب أن القيادات محكومة لشعوبها لا العكس، عندها ستظهر نماذج قيادات تفرض دورها على الساحة العالمية لأنه مستمد من شعوبها، القيادات التي تغرد خارج إرادة الشعوب لن تعمر طويلا ولن تصنع إنتصارات، فالدور للشعوب كان هذه المرة… وكل مرة سابقاً ومستقبلاً… نتطلع ونرجو من الله أن نتعلم من الدرس وتعود لأمتنا العربية هيبتها وحضورها، ونحن قادرون إذا توفرت الإرادة… حمى الله الأردن.