أدركت بعد أكثر من أربعين عاما من عمري ما الفرق بين تيار المهمشين والكادحين الذي اعتز اني انتمي اليه وبين الطبقة الأرستقراطية التي تعيش بيننا لتعيد لي الذاكرة قبل عقدين من الزمن عندما كنت يافعا وفي أحد الأيام شاركت مجموعة من اليافعين من طبقة أرستقراطية بالعاصمة عمان نشاطا وفي ساعات المساء اجتمعنا للتحضير لمسرحية لليوم التالي وكان علينا اختيار الأدوار فبدأ ميسر الجلسة بتوزيع الأدوار وسألنا عن شخصية الدور الذي سنمثله فأجاب أحدهم أنه يريد دور المحامي والثاني اراد دور المهندس ومنهم من اختار الطيار والوزير وعندما وصل الدور لي كنت متحمسا وقلت دون تردد اريد دور الطبيب ولكن لن انسى ردة فعل تلك الفتاة السريعة وبصوت عالي وبطريقة مفاجئة قالت " لا لا ما بصير دكتور واسمر " كناية عن لون بشرتي ولا انكر هنا أنني اقتنعت بوجهة نظرها لعدم مشاهدتي في الدراما الأردنية في تلك الأيام اسمر البشرة يقوم بدور الطبيب ولن أخبركم ما الدور الذي اخترته.
وبقيت مقتنعا بوجهة نظرها حتى كبرت شاهدت طبيبا اسمر البشرة وقتها أيقنت اننا كطبقة كادحة لا نختار ما نريد بحرية وهناك طبقة مسيطرة هي من تختار لنا الأدوار.
ويبدو أن هناك المئات من اقراني الكادحين والمهمشين رسمت لهم أدوارا في مسرحية العمر لم يستطيعوا أن يأخذوا منها ما يردون ولكنهم واجهوا مئات من تلك الفتاة التي اجبرتهم على رسم دورهم بالحياة كما رسمت لي حياتي وما هو الدور الذي يجب أن اكون عليه.
والسؤال العالق في اذهان الكثير من أبناء جلدتي بالأغوار هل ستستمر التيارات والقوى السياسية بالدولة برسم الأدوار لنا اين نكون او لا نكون بعد دخولنا في المئوية الثانية لتأسيس الدولة وما زال ابناء الاغوار بكافة اطيافهم بعيدين كل البعد عن المشاركة في الحوارات واللقاءات التي تجريها الدولة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية ولن أنسى حالة الإحباط التي عاشها أبناء جلدتي الغوارنة لحالة التهميش التي يعيشونها هذه الأيام وأخيرا لن نسمح لكم ان توزع الأدوار علينا كما في السابق.