بلادنُا المقدّسة تَزخَرُ بالجِرَارِ الفُخَّاريةِ التي يَصنعُها الفَخاري بِكلِّ تفانٍ واتقانٍ وبأشكالٍ فنية مختلفة. ومهنَةُ الفَخَّاري هي مهنةٌ متوارثة يورثُها الأجداد والآباء للأبناء، وستبقى هذه المهنة قائمة ما بقيت أصالة وعراقة تاريخ بلادنا العريق بتراثه ومورثه الثقافي الذي يعكس فنَّ الإنسانِ المشرقي وابداعَهُ وصناعتَهُ مما قدمته الطبيعة من مواد طينية أساسية في صناعة صلصال الفُخّار.
وتشهدُ هذه المهنةُ اليوم تطوراً كبيراً، حيث يوجد الفخار بأشكاله المختلفة وألوانه الزاهية التي تُصْلَى في داخلِ أفران النار لتصبحَ صلبةً وقويةً وصالحةً لإستخدمات متعددة في الزينة ومستلزماتِ البيت. علاوةً على ذلك فإنَّ تلك الآنية الفُخَّارية قد احتضنت في أحشائها لفائف ورقائق كتاباتٍ مقدسةٍ منذ القرون الأولى الميلادية والتي حفظتها من التلف أوالضياع كمخطوات قمران التي وجدت عند منحدرات البحر المييت. والكتاب المقدس إذ يصفُ حياتنَا البشرية فإنه يصورها وكأنها آنية خزفية/ فخارية تحوي في داخلها كنوز النعمة الإلهية التي أشرقت في قلبوبنا لنعيش المحبة العمودية والمحبة الأفقية وهي محبة الله ومحبة القريب، ونعيش حياة الصفح والغفران والصلاة والصوم والصدقة، وحفظ كلمة الله على أساس صلب متين لا تؤثر فيه عواصف الزمان ولا رياح الدمار والخراب، وأنيتنا الخزفية هذه وإن كان مصيرها الكسر والفناء مهما طال الزمان لكن ما تحتضنه في داخلها لا يُفنى بل يَبقَى ويدوم إلى الأبد.
وقد دأب بعض الناس بممارسة عادة كسر الجرار الفُخَّارية بعد انقضاءِ مشكلةٍ ما أو بعد طوي صفحة قاسية ومريرة في حياتهم كعلامة لبداية جديدة، ولكنَّ الأفضل عدم كسر تلك الجرار لأنها عادةٌ لا تُغيِّر ولا تبدِّل، بل يجب الحفاظ عليها لأنَّهُ ما الفائدة من كسر الجِرارِ الفُخَّارية وتحويلها إلى قطع مبعثرة متناثرة لا فائدة منها. ألا يكفي عصفُ الأيام بنا وَكَسْرِ آمالنا وطموحنا، ومحاولة تكسير مجاديفنا والعصف بها؟ أننفث غضبَنَا في تكسير الجرار الفّخَّارية المتبقية لدينا. كلا، بل علينا استخدام تلك الجرار رموزاً للحياة إذ تُزرع فيها الورود لتزهرَ، وتُزرعَ فيها الفسائل لتنمو وتخضر، باعثة بما يفّرح القلبَ ويسّرُ العينين، فإننا في ذلك نرى الحياة بما يبعث الأمل، وليس روح الفشل، فنحن كبشر إنما نهوى الحياةَ وليسَ الموتَ، ونعمل جاهدين على تجميع الكسر الفُخَّارية المتبعثرة لنعيدَ تركيبها وبنائها من جديد لتصبح وعاءً تُزرع فيه الحياة ويُزرع فيه الأمل.
فلن نكسر جراراً بعد اليوم بل سنجمع ما كُسرً منها لنبعث عى الحياة والأمل.