تناقلت وسائل الإعلام خبر تخفيض الأحكام القضائية بحق الصحفي المغترب العائد التائب كما يقولون نايف الطوره بقصد إصلاح نفسه، ويبدو أن الخبر استفز كثيرين بين مؤيد ومعارض، وبين مستذكر لفيديوهات تجاوزت كل الخطوط فوق الحمراء وتحت البنفسجية..! وهي بالمناسبة غير مرئية في علم الضوء، لكنني استخدمها مجازاً، والمقال ليس لمحاكمة الصحفي سلباً أم إيجاباً، لأن المعايير الديموقراطية أصبحت العوبة ووجهان بين الشرق والغرب، والغربي منها تكلم بكل ما تريد وانقد كما تريد… فهذا حقك، اما الشرقية منها(خاصة الدول الديكتاتورية والعالم الثالث عشر منها..!) اكتب وانقد لا بل عوي..! مثلما تريد ما حد سامعك… ! والنظريتين تضمنان حق التعبير ولكن الثانية ملعونه..! لأنه (بنسجنك… وقت ما بدنا وبنوديك على خشة خالتك..!) وتحيا الديموقراطية.
طبعا ليس هذا موضوعنا، الموضوع الأهم، ومن أمثالنا( من شرد ورد عده ما شرد)، والمسامح كريم، والعفو عند المقدره… هذه أمثالنا العربية التي ورثناها وغيرها في أدب التسامح ونبذ الإنتقام، وفي قرآننا الكريم (وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ… من الآية 14-التغابن)، طبعا بعيدا عن نظرية المؤامرة، و الإستقطاب من قبل القوى المعادية داخلية أم خارجية التي يسقطها البعض على هذا الصحفي أو المعارض، إلا أن جوهر الموضوع التسامح والعفو، فالوطن وطن والوطن أم ..والوطن لا ينتقم من أبنائه والوطن صنو الحرية… وقديما قالوا (تجوع أو تموت الحرة ولا تأكل بثدييها)، فمهما أخطأنا بحق الوطن سنعود إليه إما تائبين أو نعشا يحتضننا ترابه، ورحم الله عرار حين ضاق ذرعا بالعلوج المستعمرين، وسجنه ونفيه لمشاكسته ونقده النظام حين قال:
موطني الأردنّ لكنّي به
"كلّما داويت جرحا سال جرح "
وبنفسي رحلة عن أرضه
علّه يشفى من الإرهاق نزح
كلّ ما أرجوه لو أنّ منى
عاثر الجدّ إذا يرجو تصحّ
أن أرى لي بيت شعر حوله
من شلايا قومك السرحان سرح
في فلاة ليس للعلج بها
حيّة تسعى ، وثعبان يفحّ…
فالهجرة مع الإستضعاف واردة في قرآننا الكريم
(أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا… من الآية 97 من سورة النساء)، قد نهاجر وقد نطمح بالهجرة لأسباب كثيرة، ننشد حياة افضل أو حرية، ولكن يبقى الوطن وإن قسى علينا الأم الرؤوم، ويجب أن لا تكون الهجرة بأي شكل لنجلد الوطن، إذ لا يوجد وطن أو نظام دون أخطاء، ولكن واجبنا أن نحاول ضمن الممكن وأن لا يتمكن منا اليأس.
في رأيي إذا سادت العدالة ودولة المؤسسات وتم إجتثاث الفساد، فلن تجد من يغرد خارج السرب لا من الداخل ولا من الخارج، وما حصل مع الطوره يجب أن يعمم على جميع القضايا المشابهة، سواء في الداخل أو الخارج، وأقترح أن يتم إحتواء هذه الحالات وتوجيهها لتعود للوطن وتتصالح معه، وأن يبقى هامش الحرية والنقد من داخل الوطن رحباً، ولنتعلم ونعمم ثقافة النقد من أجل الإصلاح بدل النقد من أجل الردح..!.
الوطن والنظام أكبر من أن يضيق ذرعا بمواطنيه حتى وإن أخطئوا ، الحكومة يجب أن لا تضيق ذرعاً وتتوتر لأي نقد، ولا ضير أن ترد وتقابل الحجة بالحجة، وأن تكون مقنعة فيما تقول، الشفافية تُذهب القتامة، وتظهر الأشياء على حقيقتها، بحيث لن يراها إلا عديم البصيرة، ثم لماذا لا يتم إنشاء مكان مخصص للتعبير بحرية في عاصمتنا الحبيبة عمان تكون فيه زاوية للمتحدثين في يوم معين، مثل الهايدبارك في لندن "سبيكرز كورنر" ( Speakers Corner)..!وهذا ليس إقتراحا عبثيا، بل إقتراح من شأنه إتاحة الفرصة للحديث من قبل العامة في شؤون البلاد بحرية وكذلك التنفيس دون خوف من ملاحقة، بدل التهامس وإطلاق الإشاعات… !، ولنا في الملك الراحل الحسين خير مثال في حادثة الضباط الأحرار وكيف احتواهم ونصبهم مناصب رفيعة وأصبحوا من أعلام وأركان الوطن، بدل نصب المشانق للمعارضين، مثلما كان سائدا في بعض الدول التي نعرفها..!، ولا ننسى أن بلدنا خلا من أي إعدام سياسي عبر ملوكه جميعاً حتى تاريخه.
نعم للتسامح نعم لعفو عام، وخاصة لقضايا الرأي العام، نعم لتعلم ثقافة النقد الموضوعي دون تشهير أو تجريح واغتيال للشخصيات، نعم لتفعيل دور هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، لأنها العنصر الأساس لدولة العدالة، وبعدها ستتحول زاوية الحريات( هايدبارك الاردن المقترح) لمنبر ثقافي مسرحي كوميدي، لأن هواة النقد غير البناء لن يجدوا ما يغذي هوسهم للنقد والردح إن وجد.
نعم للتصالح، نعم لأردن يتسع الجميع، نتنفس فيه هواء الحرية وننعم بالعدالة والمساواة، ونذهب جميعاً للعمل والعطاء بدل الردح وجلد الذات وتشويه صورة البلد… حمى الله الأردن.