نيروز الإخبارية : نيروز_انتفض رئيس الوزراء هاني الملقي غضباً خلال جلسة المناقشة العامة التي عقدها مجلس النواب الثامن عشر صباح الأحد حول ملف الأسعار.
غضبة الملقي ومداخلته الوحيدة (استغرقت ٧ ثوان خلال جلسة امتدت لنحو 150 دقيقة) جاءت في سياق الرد على اتهام مسّ الرئيس بشكل شخصي بعد أن تناول النائب ابراهيم أبوالسيد راتب نجله في شركة الملكية.
الملقي الذي ضرب على طاولته بشكل "لاارادي" عندما وزّع أبو السيد تلك المعلومات تحت القبة وأمام الجمهور، تحدّى النائب إذا كان راتب ابنه (16 ألف دينار) أو حتى ربع المبلغ الذي ذكره.
قالها الملقي بانفعال بالغ بينما كان يهزّ رأسه وقد ظهرت عليه علامات "احمرار الوجه" وكأنه يبعث برسالة مفادها أن "الكيل قد طفح" من سيل الاتهامات والانتقادات التي ظلت توجه له منذ أن شرع في اطلاق برنامجه الإقتصادي قبل نحو 4 شهور.
يتضح من مداخلة ابو السيد أمران، الأول أن النائب لا يملك معلومة دقيقة بخلاف ما كانت عليه مجالس سابقة حيث كان البرلماني يمتلك ناصية المعلومة والمحاججة واليوم لم تتبق هذه الميزة – إن جازت التسمية - إلا لدى بعض النواب القلائل في المجلس.
قبل أيام كان النائب المخضرم عبد الكريم الدغمي يتحدى وزير المالية أن يأتي بغير ما يملك – أي الدغمي – من معلومة، حيث كان الرجل واثقاً من معلوماته التي طرحها تحت القبة، وهي من الحالات النادرة التي يسأل فيها النائب سؤالاً ويكون فيها على دراية بالمعلومة وخلفيات الحقائق.
الحادثة التي حصلت في جلسة الأحد تُظهر استخفاف النواب في التعاطي مع المعلومات ونثرها بسهولة دون التحقق منها وأحياناً بعد التفحيص يتضح أن أساس تلك المعلومة "شائعة فيسبوكية" وهو الأمر الذي دفع برئيس المجلس وبعض النواب أكثر من مرة الطلب من زملائهم بأن تكون المعلومة المطروحة موثّقة.
الأمر الثاني اللافت في نتائج ما باح به النائب أبو السيد ردة الفعل الغاضبة التي انتابت الملقي والإنزعاج البيّن الذي اعترى محياه، وهو أمر التقطه النائب نبيل الشيشاني حيث انتقد الرئيس بشكل مباشر وقال "اسجل عجبي أن الرئيس استفزه أن يشار إلى راتب ابنه ولم يستفزه معاناة الشعب الأردني بكافة أطيافه".
تمالك الرئيس الملقي أعصابه في هذه المرّة ولم يعد للمساجلة في هذا الملف بعد أن اجاب على شائعة ظلت مدار حديث على مواقع التواصل الإجتماعي خلال الأسبوع الماضي ليقطع بذلك الجدل الدائر حولها ويجد كلمات "الشكر" التي سُمعت على ألسن بعض النواب، وهذا يؤكد أن الشارع وحتى النواب يتوقون لدحض المعلومات المغلوطة اذا كانت أرضيتها شائعة لا تستند الى حقيقة.
على الجبهة النيابية ظهر مجلس النواب متوتراً منذ بداية الجلسة حينما حصر رئيس المجلس المداخلات النيابية حول "الاعفاءات الطبية" بعد أن استُبعد ملف رفع الضريبة على الأدوية من جدول أعمال الجلسة حيث تراجعت الحكومة عن القرار بتوجيه ملكي.
الطراونة لم يستجب لنداءات النواب بإطالة أمد حديث كل نائب واقتصر السماح لكل نائب بالحديث 3 دقائق بعد أن طرح عليهم خيار الدقيقتين، فيما اتيح للكتلة الواحدة أن تلقي 5 دقائق بعد أن كان رئيس كتلة العدالة النيابية مجحم الصقور يطالب ب 15 دقيقة.
يدرك الطراونة أنه لا يمكن كسر قرار رفع الأسعار فقد أصبح جزءاً من الماضي وعلى هذا الأساس رفض مقترح الصقور بخاصة أن المداخلات لن تقدم ولن تؤخر، وهو انطباع أشارت إليه النائب انصاف الخوالدة صراحة وهي تقول إن الحديث في موضوع رفع الأسعار غير منطقي بعد أن وافق المجلس على اقرار الموازنة ورُفِعت الأسعار.
وفي الجلسة اختصر النائب طارق خوري حديثه بآية قرآنية حمّلت المواطنين المسؤولية حينما قرأ "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، في الوقت الذي عبر النائب فضيل النهار عن اعتقاده بأن "وطن تشتعل فيها الأسعار أفضل من وطن تشتعل فيه النيران".
وعلى وقع المداخلات اليائسة ساد التوتر جلسة مجلس النواب حيث بدأت بانفعال النائب محمود العدوان على مداخلة زميله خليل عطية الرافض لمصطلح "المسخمط" وهو الذي استخدمه العدوان أمام الملقي الأسبوع الماضي، قبل أن تنتقل المشادات بين النائبين محمد هديب وخالد الفناطسة.
الفناطسة رفض مداخلة هديب المنتقدة لزميله رئيس لجنة الصحة النيابية ابراهيم البدور حيث علّق هديب بأنه لا ينتظر من البدور وهو رئيس لجنة أن "يتمنى على الحكومة التراجع عن قرار" بل واجب أن يتحدث بطريقة الزامية للوزارة التي تخضع لمساءلة البرلمان.
بعض المراقبين الذين ينظرون من زاوية "تشاؤمية" اعتقدوا أن ما جرى "مشهداً تمثيلياً" يهدف الى افشال الجلسة ورفعها وعدم اكمالها وهو ما اعلنه النائب منصور مراد بشكل علني، وهي رسالة قرأها رئيس مجلس النواب بالانابة خميس عطية الذي كان يرأس الجلسة في تلك الأثناء – سواء أكانت هي فعلاً كذلك أم لا - حيث رفض طلب عدد من النواب برفع الجلسة وكرر عبارته أكثر من 3 مرات "لن ارفع الجلسة" طالباً من النواب العودة الى مقاعدهم.
انتهى المشهد هنا بعد مد وجذب بتهدئة الخواطر، قبل أن يعود الرئيس الطراونة لترؤس الجلسة ويعلن استئنافها بمنح نائب آخر حق الحديث وبعد انتهاء مداخلته اعطى الطراونة النائب هديب حق الحديث ليوضح أنه لم يكن يهدف "الاساءة" الى زميله البدور ويعتذر له، ليُمنح بعدها النائب الفناطسة حق الحديث ويعلن رفضه لتأنيب أي زميل آخر على موقفه ومن ثم قدم هو الآخر اعتذاره لهديب طالما أنه اعتذر للبدور.
وبين المداخلات النيابية العملية والتوصيات التي تقدم بها نواب برزت كلمات سياسية حادة عبّر عنها النائبان نبيل غيشان الذي قال إن "الشعب الأردني كبّر عقله بالامتناع عن النزول الى الشارع" وخالد رمضان الذي هاجم الحكومة بقسوة حتى طال حديثه الناقد فرض ضريبة على الكتب، وانتهت مداخلتا غيشان ورمضان بالمطالبة برحيل الحكومة.
وبينما اعلن الطراونة أن 47 نائباً تحدثوا بعد مرور نحو ساعتين ونصف الساعة قال إن عدداً موازياً للرقم لم يقدموا مداخلاتهم، وعلى ضوء ذلك قرر الرئيس قراءة 12 توصية وصفها بـ "الملزمة" للحكومة كان أبرزها مقترحاً تقدمت به النائب وفاء بني مصطفى يقضي باستعادة المجلس للتحكم بنسب الضريبة بعد أن منحها مجلس سابق للحكومة واعطاها الضوء الأخضر في تحديد نسب الضريبة على المبيعات.
بعد قراءة التوصيات التي لم تعلق عليها الحكومة تفاجأ نواب من اعلان الرئيس الطراونة لرفع الجلسة وسط انتقادات نيابية لهذا القرار، ما دفع بكتلة الإصلاح النيابية اصدار بيان عقب الجلسة ينتقد ما حصل ويعتبره تعدياً على "النظام الداخلي" ومطالباً باستئناف جلسة المناقشة العامة.
تُظهر جلسة الأحد أن مجلس النواب لم يكن بيده "حيلة" لاحباط مشروع الموازنة العامة قبل اسابيع وهو في ذات الوقت لا يرغب بتمرير قرار رفع الأسعار غير أنه مرغم على تمرير "موازنة الدولة" فعرقلة المشروع كلفته باهظة فاقرّه على "مضض".
أما على صعيد الحكومة فلم يكن بجعبتها الكثير لتقدمه وهو ما دفعها لالتزام الصمت خلال الجلسة حتى أن الرئيس الطراونة لم يتمكن من اقناع وزير الصناعة يعرب القضاة خلال الجلسة بالرد على مداخلة النائب عطية الذي قال إن المؤسسات الاستهلاكية تبيع بأكثر من سعر "المولات".
عرض الرئيس على الوزير التعقيب على مداخلة عطية غير أنه آثر الصمت في جلسة وصفها مراقبون بأنها جاءت لـ "التبريد" غداة قرار الحكومة رفع أسعار الخبز والذي رأه نواب قراراً استباقياً لجلسة المناقشة العامة.