كان هناك إشارة واحدة في خطاب العرش السامي لجلالة الملك عبدالله الثاني في افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس النواب التاسع عشر حين قال جلالته : " إن عملية التحديث هذه، لا تقتصر على حزمة من القوانين والتشريعات وحسب، بل هي عملية تطور اجتماعي وثقافي في الأساس." ، ومفهوم الثقافة لا يقتصر على حجم وكم المعلومات التي قد تتوفر لشخص ما ، بل الثقافة هي بحد ذاتها عملية تطوير وتغذية مستمرة مقترنة بعملية الانتاج وانعكاس العملية هذه في مستويات تعميق الهوية الوطنية وفهم التحديات والاستجابة لمتطلبات الوطن لأن يكون المرء الاكثر استعدادا للتعامل مع اي من اشكال المساس في البنية الوطنية .
كثيرا ما نتعرض كدولة اردنية لما يمس ثقافتنا الاردنية وهويتنا وجيشنا وقيادتنا وسياستنا ، وتختلف المصادر والمنابع لها ، ولكن الاخطر ان يكون المصدر من الداخل بلسان المواطن نفسه لأسباب ابرزها هو الجهل وعدم التعريف وعدم التدريب والتثقيف ، ونحن لا نلوم من يتناولنا من الخارج فهو قد يكون رهين اجندات معينة ،لكن حين يكون المصدر داخليا فهذا يعني الفشل في سياسات التعليم والتدريس والتعريف في الثقافة الوطنية الاردنية ، وهنا نقف امام مراجعات شاملة ليس من اجل الحساب والعقاب بل من اجل التفكير في المستقبل ومعالجة الثغرات حتى ندخل في مرحلة الانتاج الثقافي السليم . وكثيرا ما نقف مشدوهين امام حالات نلمس فيها العجز الثقافي وان كل ما نقدمه هو حالة من السطحية تصل بنا الى حد العقم الثقافي ، وربما نجد لأنفسنا العذر في هذا الطرح لان البرامج والاستراتيجيات الثقافية هي برامج تشوبها عوامل الشخصنة والمزاجية والمحسوبية والتمييز ، مع ملاحظة تشتت الجسم الثقافي والعجز في توحيه ، ولا توجد ائتلافات ثقافية يمكن ان تشكل قوة ضاغطة في المسار الثقافي بهدف النهوض الصحيح بالقطاع الثقافي و ضمان منتج ثقافي وطني يرسخ قيم الدولة وينتصر لتاريخها .
بكل بساطة ان أي استفتاء على شكل استبيان عن مفاصل الدولة وتاريخها ستخرج بنتائج صادمة ، ومن بعد تتساءل من المسؤول ؟ او مسؤولية من ؟ هل هي المناهج ، او البرامج الاعلامية او الهيئات الثقافية او المدارس ؟ وغير ذلك من الاسئلة .
ولكن الامر هو مسؤولية مجتمعية ، مسؤوليتنا جميعا ، ولكن من هم "جميعا" ؟؟ هل هي وزارة الثقافة التي تمارس الدور الاغلب في الادارة الثقافية ؟ ام مناهج التعليم التي تم حذف الكثير من المسائل الوطنية فيها ؟ ام المدارس التي تعتمد على المحاضرات الخارجية ؟ ام الجامعات الت تتفاوت درجات الاهتمام وفق من يقود فعليا وليس شكليا.
في احدى جامعاتنا م انشاء قاعة تاريخية وطنية تتسلسل في قصة الدولة والقيادة التاريخية الهاشمية وادوار الجيش العربي الاردني والصدمة كانت هناك محاولات مدعومة من جهات لإلغاء هذه القاعة ، التي هي متحف مصور ، والسؤال كم هو عدد المتاحف والقاعات التي تضم معاض تاريخية وطنية ؟ واين تتواجد . ؟ ، وأي كان فان المنهاج الثقافي الوطني الاردني المطلوب هو الدخول في عمق التاريخ الوطني ، وان لا يعيقنا من هو على الرصيف الثقافي الوطني او العابث بتاريخ الاردن ، فنحن لدينا من المخزون الثقافي ما يجعلنا الاكثر اعتزازا والاكثر ثقة في انفسنا وفي قيادتنا وفي جيشنا .
الثقافة هي مصدر رئيس لتعزيز المواطنة ، وان نبني استراتيجيات ثقافية واقعية قابلة للتطبيق ، وان نهتم ببنية الهيئات الثقافية وضمان نقائها وأهلية من فيها واعادة النظر في تعليماتها لضمان قوة مسيرتها ورفض المتطفلين على الثقافة ، وان لا نبقى ننظر الى الثقافة كإدارة تنفق 80% من موازناتها على الادارة ،بل ان يتم التغيير في هذه النسبة حتى تحقق الثقافة اهدافها بان لا تقل موازنة الانفاق الثقافي عن 70%.