لا يجد الإعلام الإسرائيلي حرجا ولا سرا في كشف المستور في العلاقة التي تربط الجانبين الأردني والاسرائيلي وبخاصة في الجانب المخفي منها، فالإعلام في الكيان الإسرائيلي يتلذذ في تحقيق سبق اعلامي ليضع الحكومة الأردنية ووسائل إعلامها المغيبة عن الحقائق في موقف ضعيف ومحرج، حيث اعتاد الإعلام الاسرائيلي بإيعاز من الجهات الأمنية على ممارسة الضغوط على أنظمة الحكم العربية من خلال خطاب متصهين يستند إلى خطط دعائية ملفقة وتسريب الاشعاعات والحقائق التي تتناول أخبار فضائح القادة والزعماء العرب وممارساتهم الخاطئة.
في كل الاتفاقيات والتفاهمات التي جرت مقدماتها في الخفاء بين اسرائيل وبعض الأطراف العربية كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية تتباهي تلميحا وتصريحا في تسريب المعلومات حولها وهي في مرحلة النوايا لوضع المواطن العربي بصورة ما يجري وحتى قبل الإعلان عنها من طرف الحكومات العربية، وهي جزء من سياسات إعلامية ذات نوايا خبيثة تهدف إلى زعزعة الأنظمة الحاكمة، والتشكيك بمصداقيتها، وإضعاف ثقة الشعوب العربية بقاداتها وجيوشها ووسائل إعلامها، واظهارها بمظهر الخائن والعميل.
بالمطلق فإن وسائل الإعلام الاسرائيلية لا تتمرد على أنظمتها الحاكمة، لا بل يخضع معظمها لأجهزة الأمن، وتدار من قبلها، وأقل ما توصف به بأنها وسائل الحرب والجيش، وذات الإعلام الأسود، ولا يمكن لأسقف حريتها أن تتسع لتتجاوز مصالحها العليا، وهي لا تنطق عن الهوى، وإنما يوحى اليها بذلك، وتنفذ سياسات وتعمل وفقا لرؤى واستراتيجيات مرسومة ومعدة مسبقا تخدم كيانها، وأهدافها الاستراتيجية العليا، وتبني صورا وتشكل انطباعات ذهنية لدى المواطن العربي مستخدة تكتيكات خبيثة منطلقة من أيدولوجيتها الصهيونية.
حكومات إسرائيل تعرف تماما بأن اتفاقياتها المشؤومة مع الدول العربية ما هي إلا اتفاقات حيكت خيوطها مع الأنظمة الحاكمة ومن يمثلها، وأنها لا تزيد الأنظمة إلا رهقا وخبالا، وهو ما تسعى إليه، ومصيرها لم يكن بأحسن حال من اتفاقيات اوسلو التي كان العالم كله ضامن لها ومحل اجماعه، وهي اتفاقيات لم تمر عبر برلمانات الدول العربية حتى الشكلية منها، وإنما من خلال أنظمة لا تمثل شعوبها ولم يتم انتخابها ديمقراطيا، بل أنظمة جاءت معظمها على رؤوس المدافع، أو بالانقلابات، أو من خلال انتخابات واستفتاءات مسرحية هزلية، أو بموجب دساتير نصت على وراثية أنظمة الحكم.
لذلك تعي اسرائيل تماما بأنها اتفاقيات شكلية استفزازية واستعراضية لها بها مآرب أخرى، ولا تعدو كونها سحابات صيف جهام ضبابية لا مزن فيها ولا قوة ولا ودق، صيغت من الذل حروفها، ولا قيمة فعليّة لها، ولا تزيد الشعوب العربية مسلوبة الإرادة في الوقت الحاضر إلا ايمانا بعدالة قضاياها، وتحيي في بعضهم قلوبا ماتت، وتكشف عن أبصارهم الغشاوة، وعندما يحين الوقت الذي تمتلك فيه الشعوب ارادتها حينها ستقول كلمتها الفصل، وستذهب الاتفاقيات أدراج الرياح، ومعها ستذهب ريح الأنظمة، فلماذا اذاً تقدم اسرائيل وتلهث لتوقيع مثل هذه الاتفاقيات البائسة، وتتغنى بها، وتذهب إلى تسويقها سياسيا؟
اسرائيل تمر في الوقت الحاضر بمرحلة ضعف لا يجد العاقل صعوبة في الوقوف على أسبابها، لكن الذي ستر ضعفها الأسوأ الذي تمر فيه منطقتنا العربية، وما يؤشر إلى ضعف اسرائيل تزايد التهديدات الخارجية من حولها، وتراجع صورتها عالميا فضلا عن ما يعانيه نظامها في الداخل من انقسامات، وتراجع معنويات جنودها ومواطنيها، وزيادة وعيها بالقدرات العسكرية المتنامية والمتزايدة لأعدائها، بالإضافة إلى الهواجس والقلق الذي يلف مستقبلها ومصيرها، لهذا ارتفعت وتيرة الخوف لديها وبدأت تلجأ إلى وضع سيناريوهات متطرفة للتعامل مع التهديدات من حولها.
من بين السيناريوهات التي توحي بضعف اسرائيل لجوئها إلى إبرام وتوقيع اتفاقيات مع أطراف عربية واستمالتها وتسميتهم بالأصدقاء لتوكد صحة مقولة (عدو عدوك صديقك) وفي المقابل تلجأ إلى تقويض بعض أنظمة الحكم العربية لتصبح أمام نوعين من أنظمة الحكم، إما صديق مزيّف خانع مكبل، وإما عدو ضعيف ومفتت وكل هذا دليل على تراجع قدرتها العسكرية وقناعتها باختلال موازين القوى.
لهذا باتت خيارات اسرائيل العسكرية محدودة، ولم تعد قوتها أكثر من أداة تكتيكية وليست أداة استراتيجية للوصول إلى أهدافها وضمان مستقبلها ووجودها، ومن بين التكتيكات التي تلجأ إليها وتعول عليها كثيرا استخدام وسائل الإعلام وبخاصة وسائل التواصل الاجتماعي في صناعة التضليل وإثارة الفوضى، والتلفيق الدعائي وتشويه الحقائق، يساندها في ذلك بعض وسائل الإعلام العربية التي صارت تنعق بالخراب، لا بل صهيونية المخرجات أكثر من وسائلهم، ويقتات بعضها على موائد الدعم الخفي الدسمة.
اسرائيل باتت تلعب في الوقت بانتظار المجهول، وتسعى لإثبات وجودها عالميا، وتكريس مفهوم الشعور في التفوق، ومحاولة اقناع أعدائها بأن يدها ما زالت طويلة، واظهار نفسها على أنها دولة تتقرب من جيرانها باحثة عن السلام، واظهار نفسها بصورة ساطعة الجمال عالميا، وكل هذا يهدف إلى دفع الآخرين إلى الإقرار بشرعية الوجود الاسرائيلي في المنطقة، وهو ما كانت تحلم به على مدى عقود من الزمن.