كم عدد للمرات التي كنت فيها داخل مجموعة تكررت بداخلها مفاهيم على لسان أحد الأفراد متخيلا حصرية فهمه وإدراكه لمثل هذه المفاهيم المكررة ،
فهاهو المشهد الآن يأخد طاولة نقاش أخرى يتداول عليها كم لابأس به من كليشيهات علمية كانت ،إجتماعية أم ترفيهية تدور العجلة لتكرر نفسها والكل داخل نفس الفقاعة .
لقد بات الجميع يعرف عن ذلك النظام الصحي المثالي وعن الشوفان متعدد الإستعمالات وأنحج طريقة لجلب الثرورة والرفاه .
لنستعر الآن كلمة "الترند"مصطلحا لنعبر به عن أكثر المصطلحات تداولا في بيئة التواصل الرقمي ونتساءل كيفية تأثر الجمهور بخاصية هذا "الترند" ،وكيف تحدد المواضيع الأكثر تداولا على محركات البحث وهل نحن من نضعها في محركات البحث حقا؟ أم هي التي تصنع توجهنا لنبحث عن المزيد منها .
من المعلوم أن مبدأ عمل الخوارزميات "algorithm" هو المتحكم في سلسلة هذه النتائج ،إذ أن الخوارزميات وهي استراتيجيات متسلسلة تفعل لحل مشكلة ما ،نتيجة معطيات وبيانات تعرف بإسم المدخلات لنصل إلى الحل من خلال تفكيك هذه اللوغاريتمات للمسألة ونحصل على مايسمى بالمخرجات والتي قد تكون مصطلحات بحثك على شبكة الأنتريت أو مسح تقاسيم وجهك أو جملة مقترحات ومعروضات على المواقع التسويقية والتواصلية .
كم عدد المرات التي تحدث فيها وصديقك حول مواضيعكم المكررة لتجد أخرى تنسخها وتصب في نفس محتواها ؟ هل اللوغاريتمات تدرك ذلك و توجهنا تبعا له ؟وماذا عن مصداقيتها في هذا التوجيه ،وكيف تعمل في هندسة وتشكيل الذوق العام،وهل لها انحيازات معينة وماحجمها؟
في هذا الصدد يقول "جارون لانيير" عالم الحاسوب الأمريكي ،أنه علينا بدلا من ترك هذه الخوارزميات ترشدنا من الأفضل لنا البحث عن مايجذب انتباهنا انطلاقا من إرادة الشخص نفسه ،إنها سترشدنا نحو معروضات ومقترحات معينة إذ أنها مصممة من خلال آليات "ميكيافيلية" للإستغلال ثغرات الإدراك البشري أو مايعرف "بالنمط المظلم "،وهو عبارة عن تسلسل لا نهائي من المقاطع التي تجذب المتلقي نحو استهلاك المزيد ثم المزيد من المقاطع .
وبهذا يجب أن نمتلك إدراكا متقدما وفاحصا لطبيعة عمل هذه الخوارزميات وماتعرضه لنا من محتويات قد تؤثر على انحيازنا لقرارات بعينها وأحكام غير أخرى وعلى إدراكنا لرغباتنا وطموحاتنا وواقعنا وبذلك نصنع لأنفسنا فقاعة نكون المفعول به داخلها .
يكشف الفيلم الوثائقي "المعضلة الإجتماعية "هو الآخر الأسس التي بني عليها هذا النظام الرقمي ،القائم على الإقتصاد وإهتمامات المستخدمين وكذا المعلومات المضللة للإستقطاب السياسي والإجتماعي المنحاز ،
فمن المسلم أن آليات عمل الخوارزميات مبنية على معطيات رقمية وبيانات لاتعرف التحييز والتماهي العاطفي في حل المشكلة ، فخبراء أخلاقيات التصميم يقرون أن عملها حاليا يقتصر فقط على نمط فحصي للبيانات الموضوعاتية والتحليلية الصرفة ،فهي ميكانيزمات لا زلت لم تدرك بعد الشق الإنساني وأبعاد النفس البشرية مما يجعلنا نستبعد احتمالية الإعتماد عليها بشكل كلي في قيادتنا وتوجيهنا.
الخوارزميات آليات رقمية تعمل على تفكيك البيانات واستخلاص المخرجات وتقربنا من الحلول الأكثر دقة ومنطقية ،كما أنها توجهنا في نفس السياق وتهندسنا كجمهور لنشكل نمطا معينا ووعيا جماعيا محددا ، فهب تعتمد على أنظمة التفكيك المشفر لإيجاد حلولها الرياضية و الروبوتية فهل ستستطيع هذه الخوارزميات يوما محاكاة ونسخ الشعور البشري بمفهومه الأصيل ؟ومامدى خطورة خوارزميات تحلل البيانات وتستنسخ التجربة الشعورية البشرية على إرادتنا الحرة كبشر ؟