إن جائحة كورونا التي ما زلنا تحت وطأتها قد أدخلت إلى قاموس حياتنا عدة مفردات وعدة مصطلحات ومنها "مناعة القطيع"، حيث شكلت هذه السياسة تبايناً كبيراً بين مختلف دول العالم إلى أن أصبحت هذه السياسة-أي مناعة القطيع- هي السياسة الغالبة الآن إذ بدت كل الإجراءات السابقة غير مجدية الآن لتبعاتها الإجتماعية والإقتصادية، فكان لا بدَّ من سياسة مناعة القطيع مع ضرورة إتخاذ كافة الإجراءات الوقائية.
ومصطلح آخر لا يمت إلى الكورونا وهو مصطلح "ثقافة القطيع"، وقد نشر د. ذوقان عبيدات بوست يجسد هذا المفهوم الهام الذي نحتاج أن نقف عنده ونتفكر به لما له من أهمية سلبية على تقدم مجتمعاتنا وتطورها، إذ بدون إنتزاع أنفسنا من ثقافة القطيع لا يمكن أن تخطو مجتمعاتنا خطوات كبيرة نحو التقدم والرقي والإنجاز. فالصورة المعبّرة التي ارتبطت مع المصطلح هي صورة شخص ينتزع نفسه بألم وتراجيدية من ثقافة غالبية الناس التقليدية التي تخاف من التغيير لا وبل تحاربه ربما لجهلها أو ربما لأنَّ الوضع الراهن يخدم أهدافها ويحقق نفوذها وسيطرها. لذلك فمن يحاول الخروج عن الثقافة التقليدية غير المجدية وغير المنسجمة مع تقدم الحياة وتطوّرها سيجد الكثير من المعاناة والمواجهه والعراقيل الكثيرة التي تحاول منعه من الإنسلاخ عن الفكر التقليدي والإتيان بما هو جديد.
إن هذه اللوحة التي رسمها الفنان البولندي توماس كوبيرا هي لوحة مميزة تعكس حجم الألم والمعاناة الذي يلقاها الفرد عندما يحاول إنتزاع نفسه من ثقافة القطيع التي يؤمن بها غالبية المجتمع. فالمجتمع إذا يزخر بكثيرين من أمثال هؤلاء الذين يملكون فكراً وثقافة ووعياً ورؤية يحتاجها المجتمع بأسره لكي يتقدم بفكره وثقافته وعلمه وحضارته وإنسانيته ومفاهيمه المغلوطة ومنها المفاهيم الدينية الضيقة، فالحياة تحتاج أن ترتقي للأعلى بكل الأسس والمعايير، ولا ترتضي أن تبقى رابضة في مكانها، ثابتة غير متحركة ، لأنَّهُ سيعتريها الصدأ، فالحياة نهر جار ومسيرة تقدم وتحتاج إلى أمثال هؤلاء الموهوبين، الذين بمعاناتهم الفكرية ومجهودهم الجسدي يشكلون رافعة حقيقية للمجتمعات، ووجب دعمهم وتوفير البيئة المناسبة لهم وإحتضانهم بدلاً من محاربتهم وإقصائهم وتحجيمهم وتحطيم مجاديفهم بما ينعكس سلباً على تقدم المجتمع وتطوره.