تنقلني الأغاني القديمة من مرحلة الشجن والطرب إلى مرحلة الذكريات وتذكرت بيتنا الجميل وباب قريب من المطبخ يطل على حديقة مكوناتها من رشاد وكزبرة وبقدونس وبصل أخضر وفجل كلها ترنخت بماء المطر وشرقت الشمس بنهار ربيعي دافىء أنها الساعة الواحدة ظهراً وما يطلبه المستمعون من راديو كبير يغرد بأغاني جميلة تصل صداها إلى البستان تقدمها هدى السادات وسلوى حداد وبتول عباسي وهي تقول على الوعد..على المحبه..على الخير..دائما باذن الله نلتقي..وفي البدايه..نقول..مساء الخير ..ياوجوه الخير..مساءا يزدهي بكم..مساءا يليق بكم..انتم اللذين تسكنون القلب لاتبرحونه..ومن اجلكم جميعا نبحر من جديد..وبأشرعة القلوب.مساء الخير والمحبه وتبدأ الأغاني / وساعة ما بشوفك جنبي إلى خي خي وعبد المطلب بتسأل ليه عليا فوديع الصافي ع الله تعود ع الله وفيروز مشوار جينا ع الدنى مشوار وحتى سميرة توفيق يومين والثالث ع فراق الحبايب وكلما سمعت تلك الأغاني تذكرت بيتنا وأمي وهي تقلي السمك البيروتي والذي تم شراءة من بائع السمك بعربايته الصغيرة يجوب حارات مدينة الزرقاء ويصيح سمك يا سمك وتطلب مني ضمة بقدونس من الحاكورة لعمل البقدونسية تلك الأغنيات تذكرني باللحظات الجميلة من زماننا الجميل فتزل دموعي تمشي معي .ووجدت مع كل أغنية أسمعها سرادقا من الذكريات وأحبة رحلوا لدار الحق . لأ أدري لماذا أجتمعت رائحة الربيع وشمس الربيع ورائحة السمك المقلي بزيت الزيتون وبرنامج ما يطلبه المستمعون وترديد اسماء من طلبوا الأغاني المتعددةمن عبد الحليم حافظ وهو يغني «في يوم من الأيام» أو «تخونوه» إلى فريد الأطرش بأول همسة ومحرم فؤاد يا وحشني رد عليا إلى رشدي صياد ورحت أصطاد وتوفيق النمري حسنك يا زين برنامج كانت تتابعه كل العائلات وينتظرون موعده ففيه ألق الأغاني وبحة صوت المذيعة وأناس تسمع أهداتهم وهم من من متابعون برنامج ما يطلبه المستمعون خاصة أغنية وبعتنا مع الطير المسافر جواب شوق لأبن سافر يطلب العلم بالغربة ينتظر سماع اسمه من الراديو او زوجة تشرد مع الأغنية الجميلة أهداء لزوجها بمناسبة عيد ميلادة بزمن ما يطلبه المستمعون كانت الشوارع تخلو من الناس للأستماع للبرنامج مثلما كانت تخلو في العاشرة مساء من البشر، وتتحول البيوت إلى قاعات استماع جميلة، يستمعون إلى أم كلثوم شاردين كأنهم من عالم آخر، الأغاني القديمة هي حدائق تتسع بالجمال والذكريات والأمثلة كثيرة جدا بالآلاف. يكفي هنا مثل واحد مثل «صُعُبْ عليّ أنام لحسن أشوف في المنام غير اللي يتنماه قلبي» مما كتبه أحمد رامي لأم كلثوم في أغنية «رق الحبيب» التي لحنها محمد القصبجي، والاثنان عاشا يعشقانها في صمت أنها أم كلثوم .